9.08.2018

الدُّعَاءُ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ

الدُّعَاءُ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ

إنَّ الدّعاءَ للمؤمنين المُستضعَفين، تتجلّى من خلالِه صورةٌ مِن أرقى صُورِ الحبِّ في الله والولاءِ في الإسلام: ((مَثلُ المؤمِنين في توادِّهِم وتَراحُمهِم وتعاطِفِهِم، كمَثَلِ الجَسدِ الواحدِ إذا اشْتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائرُ الجَسدِ بالحُمَّى والسَّهَر))، وإنّ في حِرمان أولئك المُسْتضعَفين مِنَ الدّعاء بعد الّذي حُرموه مِنَ الدّعم المادّي لهو مِن أعظم الخذلان؛ فلا تنسوْا الدّعاءَ لأمّةٍ مِن النّاس تُسْتَضْعَفُ اسْتضعافًا أثار منها أنينًا يحكي استغاثةً تشقّ الفضاء: [[رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا]]؛ فهذا رجلٌ قد أطلّ الخوفُ مِن عينيْه، على نفسِه وأهلِه مِن موتٍ يجاورُه؛ وامرأةٌ قد رخصت حياتُها في سبيل عرضِها، الّذي أصبح للذّئاب المجنّدة مَطلبًا؛ وشيخٌ طاعنٌ في السنِّ يستعجلُ منيّتَه، قبل أن يدْركه طاعنٌ بسكّين؛ وعجوزٌ لم يرحمْ غلاظُ القلوبِ تقاسيمَ وجهِها، الحاكية معاناةً أُريدَ لها امتدادا؛ وغلامٌ سُرقت لعبُه ليُتّخذ غَرضًا، يجد ساديّون في قتلِه متعة؛ وصبيّةٌ قد فَقدت حُضنًا، كانت تستمع القصص بلسانِ دفئِه في اللّيلة الظّلماء؛ وفتاةٌ غُيّب خطيبُها، ليعود خبرًا زفّها به في فستان أسود؛ ومجاهدٌ يذودُ عن الدّيارِ والأنْفس والأعراض، خذلَه العالم فتركه يصارع مصيرَه منفردًا، ولم يجد معه إلا ربّه مُعزًّا له ونصيرا؛ ومُحتجٌّ على الطّغيان كان جوابُه الرّمي بالرّصاص، أو الحِرمان مِن الدّراسة والاعتقال، أو الضّرب بالقضبان في أحسنِ الأحوال؛ ومُتضامنةٌ مع أهل الحقّ تُكثّر سوادَهُم، لم تُراعي القوّةُ ضعفَها، فداست الكرامة فيها وخطفتها إلى الوجهة المجهولة؛ ومسجونٌ يَئنُّ تحت التّعذيب، يَسْترحمُ سجّانَه لعلّه يُحرّك فيه قلبَ إنسان؛ ومحكومٌ عليه وهو مِن خيرة النّاس، في قضاءٍ ظالمٍ بأقسى العقوبات، بين السّجن لسنوات أو التّأبيد أو الإعدام؛ ورئيسٌ صالحٌ ينتظر تنفيذَ حكم إعدامِه رفقة إخوانٍ له، بمشنقةٍ عقدَها خائنٌ وأفتى فيها مُعمَّمٌ يطلُُب دنيا؛ وشيخٌ وقور لم يُقدَّر فيه علمًا ولا فضلاً، قدْ استبيحت كرامتُه وأهينت منزلتُه، فأُلقي به في ساحة المجرمين؛ وعالمٌ جليلٌ حَكم بإعدامه الجاهلون، بجرأةٍ شَنعاءَ حمقاء قلَّ مثيلُها؛ ولاجئٌ هُجّر قسْرًا قد ضاقت عليه الدّنيا بوسعها، ليجد نفسَه غريبًا عابرًا يفترشُ الأرضَ تحت الخيام..؛ ألا فلْنَنْأى بأنفسِنا مِنَ التخلُّفِ عن نصرةِ هؤلاء المُستضعفين المظلومين -ولو بالدّعاء- وهم في حالٍ أَشَدّ ما يكونُون بحاجةٍ فيها إلى الدّعاء، حذرًا مِنْ يشملَنا قولُه -عليه الصّلاة والسّلام- فيما يرويه أبو داود من حديث جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاريّ -رضي الله عنهما-: ((ما مِن امْرئٍ يَخذُلُ امرَأً مُسْلمًا في موضعٍ تُنتهَكُ فيه حرمَتُهُ، ويُنتقَصُ فيه مِن عِرْضِه، إلاّ خذلَهُ اللهُ في مَوْطِنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَه))..؛ فلا تخْذُلوا المُسْتضعَفين وتحْرِموهُم مِن الدّعاء.
أخوكم محمّد بن حسين حدّاد الجزائري
الأحد 23 ذو القعدة 1439هـ،
الموافق 2018.08.05م

نُشرت المادّة في ما يلي:  حسابي على الفايسبوك | المدوّنة