7.02.2020

مُلاَحَظَاتٌ وَمُقْتَرَحَاتٌ حَوْلَ المَشْرُوعِ التَّمْهِيدِيّ لِتَعْدِيلِ الدُّسْتُورِ 2020م

مُلاَحَظَاتٌ وَمُقْتَرَحَاتٌ حَوْلَ المَشْرُوعِ التَّمْهِيدِيّ لِتَعْدِيلِ الدُّسْتُورِ 2020م



 المقدّمة_
بسم الله والحمد لله وحده، والصّلاة والسلام على مَن لا نبيّ بعده؛ أمّا بعد،
فهذه نقاطٌ قد ضَمّت تحت عناوينها جملةً مِن الملاحظات على المشروع التّمهيدي لتعديل الدّستور الّتي تُشرف عليه اللّجنة الموقّرة، ارتكزت على بعض فقرات الدّيباجة وعددٍ مِن المواد -سواء الثّابت منها في دستور 2016م أو المُعدّل منها والمضاف في المشروع-؛ قد توزّعت اقتراحاتي فيها بين طلبِ تعديلها لاختلال معناها، أو تقييدها لفسادِ عمومها، أو تكميلِها لظهورِ نُقصانِها، أو حذفِها لعدم جدواها..؛ عزمتُ على تسجيلِها وفيما سبقها مِن المشاركات الإغناءُ المُعَزَّز والإثراءُ المميَّز؛ لكنْ نزولاً عند رغبة بعض أساتذتي الفضلاء في أنْ أبدي رأيًا في بعض النّقاط أشارك به في مناقشة المُسَوَّدَة، ثمّ لثقتي بجديّة القائمين على اللّجنة في مطالعاتهِم لكلّ ما يصل إليهم مِن اقتراحات -كما أكّد بعض أعضائِها مِن الأساتذةِ الأفاضل-؛ مَهّدَ لي الطّريق نحو قراءةٍ معمَّقةٍ في أوراق المشروع التّمهيدي أردفتُها باستقراءِ العَديد مِن مناقشاتِ الدّكاترةِ والخبراء لنصوصِها؛ فكانت منّي هذه المشاركة الّتي حرصتُ فيها ألاّ أُكرّر ما بودِر به مِن اقتراحاتٍ تُغني عن الإضافةِ والزّيادةِ، إلاّ ما لم أعلمه منها فوقع ما عندي لها على سبيلِ المُوافقةِ غير المقصودة، أو علمتُه لكنّني قدّرتُ وجود الحاجة إلى الزّيادةِ والتّفصيل.
أُشاركُ وأنا أظنّ أنّ وثيقةً خطيرة بمستوى الدّستور الّذي يُعتبر القانون الأسمى في كلّ بلد، تستحّق وقتًا أطول مِن المُتاح لمُعالجتِها وإِعدادِها مِن كلّ الجوانب، لا سيما مع الحالة الصحيّة الّتي تمرّ بها البلاد ونحن نعلم آثارها على التّواصل والاجتماع الضّروريّ لمُناقشةِ موضوعٍ يَرتسمُ به مسارُ البلاد؛ بل مهما مُدّد في فترة تلقّي المُلاحظات والمُقترحات مِن طرف السيّد رئيس الجمهوريّة المسؤول الأوّل عن المشروع التّمهيديّ، لا أراها كافيّةً -في تقديري وتقدير الكثير- للطّمع في الخروج بنسخةِ مشروعِ دستورٍ نهائيّةٍ تستجيب لتطلّعات الأمّة -رغم احتواء المُسَوَّدَة على بعض الإضافات الإيجابيّة-؛ ليس بسببِ ظنٍّ بقصورِ اللّجنة الّتي تضمّ تركيبتُها ثلّةً مِن كبار الخبراء والأساتذة في القانون الدّستوري الّذين كُلّفوا بصياغةٍ تقنيّةٍ لمُسَوَّدة -لا غير-، وإنّما لأنّ الظّروف غير مُهيّئة والشّروط غير مُجتمعة للاطمِئنان بأنّنا سنتّجه نحو الاستفتاء بمشروعِ دُستورٍ يكون على مستوى رغبةِ الرّئيس وطموح الشّعب، لنعود إلى نقطة البداية بعد رفضِه ومنها التّضييع لمزيدٍ مِن الوقت؛ وإنّما الرّغبة الّتي كانت مُرجوّةً ولا يزال الأمل قائمًا لتحقيقِها على يد رئيس الجمهوريّة، هي أنْ تتّسع مدّةُ المناقشات وإبداء المُقترحات إلى ما بعد تشريعيّاتٍ مُسبقةٍ تُشارك فيها أحزابٌ تَحكي نبض الأمّة -بعد أنْ يُمنح الاعتماد لمَن لا يزال منها قيد التّأسيس-؛ وعندها يبدأ النّقاش الجدّي المُكتمل الأركان في ورشةٍ تجمعُ تحت سقفِها -إلى جانب لجنة المشروع التّمهيدي الّتي تتصدّره وتكون لها فيه الكلمة الأخيرة مِن جهة الصّياغة- العلماء الشّرعيين والخبراء القانونيّين والفاعِلين السّياسيين والمتخصّصين في شتّى الميادين، وبالتّالي نكون قد وضعنا حجر الأساس لنُسخةٍ نهائيّةٍ مِن مشروعِ دستورٍ يطمئنّ له الجميع، ثمّ يُنطلق به إلى المجلسِ التّشريعيّ أين يبدي فيه ممثّلو الشّعب آراءهم، ثمّ تنتهي حلقة المشروع عند استفتاءٍ شعبيٍّ نأمل منه في الخروج بدستورٍ يرسم الخطوط العريضة للجزائر الجديدة الوفيّة للأصالة، الحامية للحقوق، الضّامنة للعدالة، الواعدةِ بغدٍ مُشرق.
ثمّ هذه مُقترحاتي أتشرّف بوضعها بين أيديكم، أرجو أنْ تحظى لديكم بالنّظر في سُطورِها والاعتبار لمضمونِها، لم يدفعني إلى بذلها إلاّ حبًّا لبلدي وغيرةً عليه، وإعانةً على أمرٍ كبيرٍ ذي بالٍ وجبَ أنْ يضطلع به الجميع؛ قد رتّبتها وجعلتُها ضمن عناوين مُرقّمة، تجدون تحتها الإحالات لفقراتِ الدّيباجة والمواد القانونيّة، تعقبُها البيانات والاقتراحات.
هذا، وأشكر لكم جهودكم الطيّبة وحِرصكم الكريم على تلقّي المُقترحات والاطّلاع عليها، وأسأل الله -عزّ وجلّ- أنْ يُعينكم في مهمّتكم على ما فيه خيرٌ البلاد والعباد، وأنْ يأخذ بأيديكم في أثنائِها إلى سبيل الحقّ والسّداد.
                                                                                      محمّد بن حسين حدّاد
 [01] الشّعبُ الجزائريُّ شعبٌ حرٌّ مُسلم_
جاء على الصّفحة 3 في السّطر الأوّل مِن الدّيباجة:
"الشّعبُ الجزائريّ شعبٌ حرٌّ، ومُصمِّمٌ على البقاءِ حُرًّا".
أضحت الحريّةُ مِن الكلماتِ المفتاحيّة التّي يُعرفُ بها الشّعبُ الجزائريُّ بين الأمم في العصر الحديث، حتّى جعلتْه قدوةً لدى كلّ أمّةٍ تروم انْعتاقاً مِن قيود الاستبداد وتقصد تخلّصًا مِن أغلال الاستعمار؛ نظرًا للتّضحيّات الهائلة الّتي بذلها أكثرَ مِن قرنٍ في سبيل دفعِ المُعتدين على كرامتِه والتحرّر مِن المحتلّين لأرضِه؛ كما أنّ الدّين الإسلامي كان في الشّعب الجزائريّ ولا يزالُ، مِن الخصائصِ الفارقة الّتي صنعتْ له مجدًا خلّدَ وقفاتِه الإيمانيّة منذ الفتح الإسلاميّ ومرورًا بجِنانِ الأندلس وانتهاءً -بلا نهاية- عند ثورةِ التّحرير؛ حيث كان يمدّه بالرّوح المعنويّة الّتي كانت تُثبّته ليقف شامخًا مُحتسبًا في وجه آلات الدّمار الغاشم.
ومنه، اقتضى ذلك التّزاوج بين الحريّة والإسلام المتميِّز في الشّخصيّة الجزائريّةِ عبر تاريخِها الطّويل، أنْ يُخصَّ بجمعٍ يأبى الانْفصال؛ فأقترحُ صياغةَ السّطرِ المُشارِ إليه على النّحو التّالي:
"الشّعبُ الجزائريّ شعبٌ حرٌّ مُسلِم، ومُصمِّمٌ على البقاءِ حُرًّا مُسلمًا".
 [02] الجزائر أرض البطولات_
جاء في الفقرة الثّانية مِن الصّفحة 3 ضِمن الدّيباجة:
"فتاريخه الممتدّة جذوره عبر آلاف السّنين سلسلة متّصلة الحلقات مِن الكفاح والجهاد، جعلت الجزائر دائما منبتَ الحريّة، وأرض العزّة والكرامة".
مقدّمةٌ جميلةٌ قد تضمّنت إبرازًا لميزةٍ عُرفَت بها الجزائر عبر تاريخها الحافل بالأحداث، سيقت بعد جملة: "الشّعب الجزائري شعبٌ حرّ، ومصمّمٌ على البقاء حرًّا"؛ فوردَت بمثابة التّفسير لهذه الأخيرةِ والتّأكيد عليها، ولمّا كان الكفاح والجهاد بُطولةً تَنشدُ الحريّة، كما أنّ الحريّة أرضيّةٌ تُؤسّسُ لعِزّةٍ تَسمُقُ بها الكرامة؛ تمنّيتُ أنْ تجدَ كلمة (بطولة) محلاًّ في الفقرة بما يجعل السّياقَ أكثر توازنًا والجملةَ أبلغَ تناسقًا، مِن خلالِ حُظوةِ كلٍّ مِن المضافين بمضافين إليه.
وعليه، أقترح إضافة تلك الكلمة إلى الفقرة ضِمن السّياق؛ لتُصبح صياغتها على الشّكل التّالي:
"فتاريخه الممتدّة جذوره عبر آلاف السّنين، سلسلة متّصلة الحلقات مِن الكفاح والجهاد؛ جعلت الجزائر دائما منبتَ البطولة والحريّة، وأرض العزّة والكرامة".
 [03] إبرازُ دورِ الحركة الإصلاحيّة_
جاء في الفقرتين الرّابعة والخامسة مِن الصّفحة 3 ضِمن الدّيباجة:
"وكان أوّل نوفمبر 1954 نقطة تحوّلٍ فاصلة في تقرير مصيرها وتتويجًا عظيمًا لمقاومة ضروس، واجهت بها مختلف الاعتداءات على ثقافتها، وقيّمها، والمكوّنات الأساسيّة لهويّتها، وهي الإسلام والعروبة والأمازيغيّة، الّتي تعمل الدّولة دوما لترقية وتطوير كلّ واحدة منها، وتمتدّ جذور نضالها اليوم في شتّى الميادين في ماضي أمّتها المجيد.
لقد تجمّع الشّعب الجزائريّ في ظلّ الحركة الوطنيّة، ثمّ انضوى تحت لواء جبهة التّحرير الوطنيّ، وقدّم تضحيّات جساما مِن أجل أنْ يتكفّل بمصيره الجماعي في كنف الحريّة والهويّة الثّقافية الوطنيّة المستعادتين، ويشيّد مؤسّساته الدّستوريّة الشّعبية الأصيلة".
إنّ دور الحركة الوطنيّة في غرس قيّم الحريّة والتّذكير بعداوة المحتلّ، هو محلّ إجماع تاريخيٍّ لم يشذّ عن الاعتراف به إلاّ خائنٌ أو لئيم؛ لكنْ ثمّة حركةً إصلاحيّةً قد كان لها الدّور المشهود الّذي أحدث المنعرج الثّقافي العظيم في أمّةٍ جزائريّة استخدَمَت فرنسا جميع الوسائل لتجهيلِ أفرادها وقتلِ شعور الانتماء فيها؛ مشروعُ ثورةٍ فكريّةٍ ونهضةٍ علميّةٍ بذلت (جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين) التّضحيات في سبيل بلوغِ غايتِه، فشيّدَت  مدارسَه، وتحمّلت أعباءَه، ودفعت أثمانَه النّفسيّة والماديّة والمعنويّة؛ فكانت بجهادِها أحد قُطبَي تحرير الجزائر؛ فهما: قطبٌ علميٌّ إصلاحيٌّ سعى في تحرير العقل الجزائريّ، وقطبٌ وطنيٌّ سياسيٌّ سعى في تحرير الأرض الجزائريّة، وبين القطبين كانت تلك العلاقة الضّروريّةُ التّكامليّة، إذْ لا يُتصوَّرُ تحريرُ أرضٍ قد قُيّدَت فيها العقول، كما لا يُتصورُ تحرّر إنسانٍ قد احتُلّت حوله الحُقول..؛ وخيرُ برهانٍ على ذلك الدّور الدّاعم لقضيّة التّحرير تمهيدًا لها وانخراطًا فيها: ما أعلنه رجال الجمعيّة عبر خطاباتِهم وبياناتهم في عزّ الإعداد لحرب التّحرير، وما بذله آلاف أبنائِها ومنتسبيها مِن النّفس والنّفيس في ساحات الوغى وميادين الاستشهاد؛ وما زعمُ الكثير مِن الكتّاب غير الأمناء أنّ الجمعيّة برموزِها كانت بعيدةً عن الخطّ الثّوريّ ومضادّةً له! إلاّ محاولةٌ مفضوحةٌ لفصل الدّورين التّارخيّين عن بعضهما، وقطع الأمّة الثّائرةِ عن انتمائِها الإسلاميّ الوطنيّ.
ومنه، أقترح إبراز ذلك الدّور في الفقرتين، على أنْ يتمّ الدّمج بينهما مع شيءٍ مِن التّعديل في السّياق والتّبديل أو الإضافة للكلمات؛ لتُصبح الصّياغة على الشّكل التّالي:
"لقد تجمّع الشّعب الجزائريّ في ظلّ الحركة الوطنيّة منذ سنة 1830م، مرورًا بالتفافه حول الحركة الإصلاحيّة تحت لواء جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين، ثمّ انضوى تحت لواء جبهة التّحرير الوطني في الفاتح مِن شهر نوفمبر 1954م؛ الّذي كان ثمرةً ظاهرةً لجهود الحركتين عبر تاريخِه، ومنعرجًا فاصلاً وتتويجًا عظيمًا لمقاومته الضّروس لكلّ أشكال الاعتداءات على دينِه وأرضه وعرضِه والمكوّنات الأساسيّة لهويّته ووحدته الوطنيّة، وقدّم تضحياتٍ جساما مِن أجل أن يتكفّل بمصيره الجماعي بكلّ سيادة في كنف الحريّة والهوية الوطنيّة المستعادتين، ويشيّد مؤسّساته الدّستوريّة الشّعبية الأصيلة".
 [04] الجزائر الجديدة والتحوّلات_
جاء في الفقرة الثّانية مِن الصّفحة 4 ضِمن الدّيباجة:
"يُعبّر الشّعب عن حِرصه على ترجمة طموحاتِه في هذا الدّستور بإحداث تحوّلاتٍ اجتماعيّة عميقة من أجل بناء جزائر جديدة والّتي عبّر عنها سلميّا منذ الحركة الشّعبية الّتي انطلقت في 22 فبراير 2019 في تلاحم تام مع جيشه الوطنيّ الشّعبيّ".
لقد عبّر الشّعب الجزائريّ عبر هبّتِه العظيمةِ الّتي كانت فُرقانًا تاريخيًّا أُعجِبَ به العالَم وشهد عليه الجميع، عن مطالب أساسيّةٍ واضحة عبر شعاراتٍ كُتبت على اللاّفتات ورُفعَت بالهتافات، خالفت تمامًا -في الدّافع والمبدأ- مطالب ثورة كسر الممنوعات في فرنسا عام 1968م! وإنّما كان عنوانها الجامع وخطّها اللاّمع: (مِن أجل جزائر جديدةٍ وفيّةٍ لماضيها الأصيل، مُصحّحةٍ لحاضرِها العَليل، مُتطلّعةٍ لمستقبلِها الجميل)؛ معنىً شملت تفاصيله شتّى الميادين وبلغت أصداؤه مختلف المستويات، فلم تتوقّف المطالب عند ضرورةِ إحداث تحوّلاتٍ اجتماعيّةٍ فقط؛ بل تعدّتها إلى الجوانب السّياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة، باعتبارِ استشراءِ الفساد فيها أيضا.
فأرجو أنْ يتمّ استدراك التّفاصيل المُشار إليها بما يُحقّق شموليّة معناها؛ فتُصبح الصّياغة على الشّكل التّالي:
"يُعبّر الشّعب الجزائريّ عن حِرصه على ترجمة طموحاتِه في هذا الدّستور بإحداث تحوّلات سياسيّةٍ واجتماعيّةٍ واقتصاديّةٍ وثقافيّةٍ عميقة، من أجل بناء جزائر جديدةٍ وفيّةٍ لماضيها الأصيل مُتطلّعةٍ لمستقبلِها الجميل؛ والّتي عبّر عنها سلميًّا مِن خلال حَراكِه الّذي انطلق في 22 فبراير 2019م في تلاحم تام مع جيشه الوطنيّ الشّعبيّ".
  [05] مِن أجل دولةٍ رسم خطوطها العريضة بيان فاتح نوفمبر_
جاء في الفقرة الثّالثة مِن الصّفحة 4 ضِمن الدّيباجة:
"إنّ الشّعب الجزائريّ ناضل ويناضل دوما في سبيل الحريّة والدّيمقراطيّة، وهو متمسّكٌ بسيادته واستقلاله الوطنيّين، ويعتزم أن يبني بهذا الدّستور مؤسّسات، أساسها مشاركة كلّ جزائريّ وجزائريّة في تسيير الشّؤون العموميّة، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعيّة، والمساواة، وضمان الحريّة لكلّ فرد، في إطار دولة ديمقراطيّة وجمهوريّة. ويتطلّع أنْ يكون الدّستور الإطار الملائم لتعزيز الرّوابط الوطنيّة وضمان الحريّات الديّمقراطيّة للمواطن".
إنّ لكلّ دولةٍ في العالَم شخصيّتُها الّتي تستمدّ معالمها مِن محطّاتٍ تاريخيّةٍ تضمّنت بطولاتٍ صنعها قادتُها وتبنّتها شعوبُها، وإنّه لحَقيقٌ بالدّولة الجزائريّة أنْ تلتزمَ هذا المبدأ ولا تشذّ عنْ قاعدتِه، فإنّه المرجع عند الاختلاف والملجأُ عند الاسْتلاب؛ وإنّ لنا في تاريخنا العظيم تلك المحطّة الكبرى، الّتي رسمَ خطّتها القادة الأمجاد وسار على سبيلِها الرّجال الأفذاذ ليحصد ثمارَها الأبناء والأحفاد؛ إنّها محطّة أوّل نوفمبر وبيانها الّذي خَطَّ معالم الدّولة الجزائريّة وأعلنَ ثورةَ التّحريرِ لبنائِها، فكان الهدف الأوّل للاستقلال الوطني كما جاء في ذلك البيان: "إقامة الدّولة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الاجتماعيّة ذات السّيادة ضمن إطار المبادئ الإسلاميّة".
وعليه، تحتّم علينا تماشيًّا مع المبدَأ الّذي تقوم عليه الدّول ووفاءً للعهدِ الّذي سطّرَه الشّهداء، أنْ نُبرزَ شخصيّتَنا الجزائريّة على ديباجةِ دستورِنا كما رسمَ معالمها بيان الفاتح مِن نوفمبر، واتّخذها هدفًا لثورتِه المُعلنة، خاصّةً وأنّ هذا البيان يُعدُّ الوثيقة الوحيدة التّي اجتمع عليها الجزائريّون ولم يختلفوا فيها على تعاقب أجيالِهم، فاستحقّت أنْ تكون مرجعيّتنا جميعًا؛ فأقترحُ تعديل الفقرةِ بإضافةِ ما تمّت الإشارة إليه لتُصبح الصّياغة على النّحو التّالي:
"إنّ الشّعب الجزائريّ ناضل ويناضل دوما في سبيل الحريّة والدّيمقراطيّة، وهو متمسّكٌ بسيادته واستقلاله الوطنيّين، ويعتزم أنْ يبني بهذا الدّستور مؤسّساتٍ أساسها مشاركة كلّ جزائريٍّ وجزائريّةٍ في تسيير الشّؤون العموميّة، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعيّة والمساواة، وضمان الحريّة لكلّ فرد؛ في إطار دولةٍ ديمقراطيّةٍ اجتماعيّةٍ ذات السّيادةِ ضمن إطار المبادئ الإسلاميّة. ويتطلّع أنْ يكون الدّستور الإطار الملائم لتعزيز الرّوابط الوطنيّة وضمان الحريّات الديّمقراطيّة للمواطن".
  [06] عبقريّةُ الشّعب وما أحدثه مِن تحوّلات_
جاء في الفقرة الخامسة مِن الصّفحة 4 ضِمن الدّيباجة:
"فالدّستور يجسّم عبقريّة الشّعب الخاصّة، ومرآته الصّافية الّتي تعكس تطلّعاتِه، وثمرة إصراره، ونتاج التحوّلات الاجتماعيّة العميقة الّتي أحدثها، وبموافقته عليه يؤكّد بكلّ عزم وتقدير أكثر مِن أيّ وقت مضى سموّ القانون".
أقولُ هنا ما قلتُه في النّقطة الرّابعة (الجزائر الجديدة والتحوّلات)، تعليقًا على ما جاء في الفقرة الثّانية مِن الصّفحة الرّابعة في خصوص إحداث التحوّلات؛ حيثُ أشرتُ في سياقها إلى تجاوزها الجانب الاجتماعيّ وتعدّيها إلى الجوانب السّياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة...
فأرجو هنا ما رجوتُه هناك مِن الاستدراك؛ لتُصبح الصّياغة على الشّكل التّالي:
"فالدّستور يجسّم عبقريّة الشّعب الخاصّة، ومرآته الصّافية الّتي تعكس تطلّعاتِه، وثمرة إصراره، ونتاج التحوّلات السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافية العميقة الّتي أحدثها، وبموافقته عليه يؤكّد بكلّ عزم وتقدير أكثر مِن أيّ وقت مضى سموّ القانون".
   [07] التمسّك بالإعلانات العالميّة والمواثيق الدّولية_
جاء في الفقرة الأخيرة مِن الصّفحة الرّابعة ضمن الدّيباجة:
"يُعبّر الشّعب الجزائريّ عن تمسّكه التّام بحقوق الإنسان المحدّدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لـ: 10 ديسمبر 1948، والعهد الدّولي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافية، والعهد الدّولي للحقوق المدنيّة والسّياسية الصّادرين في 16 ديسمبر 1966، والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشّعوب لـ 27 جوان 1981 وكذا الميثاق العربي لحقوق الانسان لـ 23 مايو 2004".
نعلمُ جميعًا واقع بعض المؤسّسات والمنظّمات العالميّة الّتي تُعنى بالحقوق والحريّات، كما نعلم حقيقةَ مَن يقف وراءها مِن اللّوبيات الصّهيونيّة والقِوى الّتي تستغلّها في خِدمة الدّول الكبرى أكثر مِن غيرها -للأسف-؛ فلا يُمكن أن نتخّذ مِن الإعلانات والمواثيق الصّادرة منها مُتمسَّكًا يستحقّ منّا احترامنا التّام! وفي بعض موادِها وبنودِها تلك المخالفةُ الصّريحة الواضحة لتعاليمِنا الدّينيّةِ وقوانيننا الجمهوريّة، الّتي تمسُّ بسيادةِ الدّولة ومبادِئِها، وتضربُ أركانَ الأسرة في أساسِها؛ من تلك الإعلانات المارِقة والمواثيق البائقة: حريّة تبديل الدّين، وعدم تقييد الزّواج بالعقيدة، وغيرها مِن المخازي الّتي تفتح الباب على ما لا يُجيزه عقلٌ ولا يقبله ضمير..، علاوةً على تلك البنود والاتّفاقات الصّادرة مِن نفس المؤسّسات والمنظّمات الّتي تخنق القضايا العادلة وتُحاصرها كما فُعل مع القضيّة المركزيّة للأمّة الإسلامية: فلسطين وعاصمتُها القدس.
ومنه، لا يُمكن أنْ تتقّدَم مضامين الإعلانات العالميّة والمواثيق الدّولية على مضمون وثيقتنا الدّستوريّة -كما توحي الفقرة المشار إليها-، خاصّة وأنّ الجاري العمل به دوليًّا هو أولويّة الدّستور المحلّي على ما ينبثق مِن تلك المؤسّسات والمنظّمات؛ فالخيارُ الأسلم في هذا، هو إمّا إلغاء الفقرة بكاملِها والاكتفاء بما عندنا مِن قوانين كفيلةٍ بحفظِ الحقوق وضمانِ الحريّات اكتفاءً يدفع التّعارض ويرفع الحرج، وإمّا إرفاقُ الفقرة بعبارةٍ صريحةٍ تُفيد تقييدًا تُصاغُ الفقرة بموجبِه كما يلي: "يُعبّر الشّعب الجزائريّ عن احترامِه لحقوق الإنسان المحدّدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لـ: 10 ديسمبر 1948م، والعهد الدّولي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافية، والعهد الدّولي للحقوق المدنيّة والسّياسية الصّادرين في 16 ديسمبر 1966م، والميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشّعوب لـ 27 جوان 1981م، وكذا الميثاق العربي لحقوق الانسان لـ 23 مايو 2004م؛ ما لم تتعارض تلك الإعلانات والعهود والمواثيق في بعض موادها مع ثوابت الأمّة وقوانين الجمهوريّة".
   [08] الإسلام والدّولة_
جاء في المادّة 2 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الأوّل (المبادئ العامّة الّتي تحكم المجتمع):
"الإسلام دين الدّولة".
لازالت دساتير الجزائر تتعاقب على إيراد هذه المادّة في مقدّمة المواد الدّستوريّة بين دِفافِها، وهذا مِن الأشياء الّتي تُثمَّنُ وتُشكر مبدئيًّا -لا سيّما وأنّ المادّة مُدرجة ضِمن المواد الصمّاء- لما فيها مِن بعث الطّمئنينة في قلب الشّعب الجزائريّ المسلم؛ لكنّ عبارتَها العامّة غير العمليّة قد أضعفتها أمام مَن يُريد إزالتها مِن المُغرِضين، ومَن يسعى في القفزِ عليها مِن المتحايِلين، ممّا جعلها محلاًّ للتّأويل والتّضليل، حتّى ظنّ النّاس عدم جدواها بعدما أضحَت في الدّستور مجرّد شعارٍ لا يُعمل بفحواها في المؤسّسات ولا يُرجع إليها عند المُنازعات.
وعليه، وجب إعادة النّظر في العبارة التّقليدية للمادّةِ بما يُعطيها بُعدًا عمليًّا يجعلها أكثر إلزامًا مِن حيث العمل بها والتّحاكم إليها، وتُصاغُ على إثْرِه الكثير مِن المواد الدّستوريّة الأخرى المستقلّة عن مبدئِها، حتّى نرى للمادّةِ أثرًا يتحقّق به معنًى مُجسِّدًا لرأس الأهداف المُعلنة في بيان أوّل نوفمبر (إقامة الدّولة الجزائريّة الدّيمقراطيّة الاجتماعيّة ذات السّيادة ضمن إطار المبادئ الإسلاميّة)؛ فأقترحُ تعديل المادّةِ بإضافةٍ تجعل صياغتَها على الشّكل التّالي:
"الإسلامُ دينُ الدّولة وروح دستورها؛ يجب أنْ تتقيّد به المؤسّسات، وتنضبط به المعاملات، ويُحترم في الحياة العامّة والممارسات، ويُرجع إليه عند القضاءِ والمُنازعات".
  [09] العربيّةُ هي اللّغةُ الوطنيّةُ والرّسميّة_
جاء في المادّة 3 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الأوّل (المبادئ العامّة الّتي تحكم المجتمع):
"1. اللّغة العربيّة هي اللّغةُ الوطنيّة والرّسمية.
2. تظلّ العربيّة اللّغة الرّسميّة للدّولة.
3. يُحدث لدى رئيس الجمهوريّة مجلس أعلى للّغة العربيّة.
4. يُكلّف المجلس الأعلى للّغة العربيّة على الخصوص بالعمل على ازدهار اللّغة العربيّة وتعميم استعمالها في الميادين العلميّة والتّكنولوجيّة والتّشجيع على التّرجمة إليها لهذه الغاية".
إنّ جانب العناية باللّغة العربيّة -في هذه المادّة- من حيث العمل على ازدهارِها والتّوسيع لاستعمالِها والتّشجيع على التّرجمةِ إليها، هو جيدٌّ وممتاز؛ إلاّ أنّ الأصلَ في ترسيم اللّغات أنْ يكون له أثرٌ عمليٌّ مِن حيث ممارستِها في الميدان، لكنّنا عندما نرى بعض الوثائق الرّسمية والمراسلات الإداريّة لا زالت تتّخذ مِن اللّسان الفرنسيّ لغةَ تخاطبٍ رسميٍّ في كتاباتها وتقريراتها، نشعر -للأسف- بأنّ هذه المادّة الّتي بمقتضاها أصبحت اللّغة العربيّة رسميّة، ليس لها الحكم المُلزم الّذي يجب أنْ يخضع إليه كلّ مسؤول في خطاباته وكتاباته وتصريحاتِه الرّسمية، حتّى أضحى الأمر عادةً لم يُستثنى منها بعض مَن تبوّأ المناصب العليا في الدّولة! فما الفائدة مِن هذه المادّة إذا جعلناها في علاقة تطبيعٍ مع اللّغات الأجنبيّة -لا سيما الفرنسيّة-؟! كيف يُفسَّر ذلك الدَّوس الظّاهر على القوانين الّتي تُلزم التّعامل بالعربيّة في بعض المجالات؟ فالمادّة الثّامنة مِن قانون الإجراءات المدنيّة والإداريّة -مثلا- تُلزم المتقاضين بدفع الوثائق باللّغة العربيّة وإرفاق الأوراق المكتوبة باللّغات الأجنبيّة بترجمة عربيّة، مع ذلك قد تمّ التخلّي عن العمل بهذه المادّة في القضاء!
وعليه، لا بدّ مِن استحداثِ بندٍ في هذه المادّة يتضمّنُ إلزامًا مؤكِّدًا بتعامل الإدارات والمؤسّسات الرّسمية باللّغة العربيّة، عبر الوثائق والمراسلات والتّصريحات والخطابات ذات الطّابع الرّسمي؛ فأقترح تعديلا يتضمّنُ إضافةً تُصاغُ المادّةُ بموجبها على النّحو التّالي:
"1. اللّغة العربيّة هي اللّغةُ الوطنيّة والرّسمية.
2. تظلّ العربيّة اللّغة الرّسميّة للدّولة.
3. يجبُ على المسؤولين والمُوظَّفين في المؤسّسات الرّسميّة التّعامل باللّغة العربيّة في الوثائق والمراسلات والتّصريحات والخطابات ذات الطّابع الرّسمي. ويُعاقب القانون المخالفين.
4. تُرفَقُ الوثائق الأجنبيّةِ في المؤسّسات بترجمةٍ رسميّةٍ إلى العربيّة.
5. يُحدث لدى رئيس الجمهوريّة مجلس أعلى للّغة العربيّة.
6. يُكلّف المجلس الأعلى للّغة العربيّة على الخصوص بالعمل على ازدهار اللّغة العربيّة وتعميم استعمالها في الميادين العلميّة والتّكنولوجيّة والتّشجيع على التّرجمة إليها لهذه الغاية".
   [10] ترسيمُ الأمازيغيّة_
جاء في المادّة 4 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الأوّل (المبادئ العامّة الّتي تحكم المجتمع):
"1. تمازيغت هي كذلك لغة وطنيّة ورسميّة.
2 تعمل الدّولة لترقيّتها وتطويرها بكلّ تنوّعاتها اللّسانيّة المُستعمَلة عبر التّراب الوطني.
3. يُحدث مجمّع جزائريّ للغة تمازيغت يوضع لدى رئيس الجمهوريّة.
4. يستند المجمّع إلى أشغال الخبراء، ويكلّف بتوفير الشّروط اللاّزمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسميّة فيما بعد.
5. تحدّد كيفيّات تطبيق هذه المادّة بموجب قانون عضوي".
إنّ الأمازيغيّة عبر انتماءِ أبنائِها إلى جذورِها وتمايز لهجاتِها اللّسانيّة المتعدّدة غير الموحَّدة، جعل منها رصيدًا تاريخيًّا وموروثًا ثقافيًّا يستغني عن المزايدات الّتي أقحمته في متاهات الهويّة وحسابات السّياسة؛ فلم تستحقّ الأمازيغيّة كلّ ذلك الجدال لو تُركت في مكانها الطّبيعي بعيدةً عن لوثةِ العصبيّات الّتي تعمّدت الخلطَ بين فلسفةِ الهويّة ومسألة العِرق لتبتكرَ لنا أزمةَ لغةٍ لم يُضايقها أحد! فرافعت عن إدراجها لغةً وطنيّةً ورسميّة وهي لمّا تتوفّر على الشّروط الّتي تُبلّغها هذا المستوى، فضلاً عن الانْعدام للغةٍ تحمل مسمّى "الأمازيغيّة"؛ بينما الحقيقة تنتهي عند وجودِ أصلٍ أمازيغيٍّ -أو مازيغيٍّ- يتميّزُ بتنوّعٍ لسانيٍّ لدى أمّةٍ مِن البربر تتوزّع على شتَّى البقاع ومختلَف الرّبوع.
فالواقع أنّنا أمام أكذوبةٍ لغويّةٍ كان فرضُها لغةً وطنيّةً -أوّل الأمر عام 2002م- ضربًا مِن التعدّي على الأمّة وتاريخِها والأمازيغيّة نفسها، فضلاً عن خطيئةِ ترسيمِها بعد ذلك؛ فهي لغةٌ غير موجودةٍ أصالةً، وإنّما استُعيرت كلماتُها مِن لهجةٍ بربريّةٍ محليّةٍ يتحدّث بها الزّْواوة دون بقيّة أمازيغ الجزائر المختصّين هم كذلك بلهجاتٍ تُميّز كلاًّ منهم: كالشّاويّة، والمْزابيّة، والتّْرقيّة، والشّْنْويّة؛ ولو توقّف الأمر عند دسترتِها لغةً وطنيّة لكان ذلك كافيا لها مُرضيًّا للمُتاجرين بها، بحكم وقوعِه نتيجةً للقاءٍ جرى على طاولةِ صفقةٍ بين النّظامِ البائدِ و(البربريست) الّذين قادوا حركةً جهويّةً بربريّةً رفعوا مِن خلالها مَطالب تحت شعارتِ العِرق والهويّة، باسمِ شعبٍ أمازيغيٍّ -أنا أنحدر مِن قبائله الكبرى- لم تخطر قضاياها على بالِه يومًا! فترسيمُ الأمازيغيّة وتعميمها هو مطلب الأقليّة مِن الأساس، لا أقول هم أقليّةً وسط الشّعب الجزائري فقط؛ بل أقليّةً بين أمّة القبائل الكبرى نفسها! فكيف يُعقل أنْ تَفرض الأقليّةُ مبدأَها على الأغلبيّة دون قضاء الاستفتاء؟! فما كانت لتُرسَّم الأمازيغيّة دون عرضها على الشّعب الجزائريّ ليقول فيها كلمته، لو لم تُقدِمْ العصابة -فيما مضى- على ترسيمِها فوقيًّا بطريقةٍ ماكرةٍ متسرّعةٍ غير مفهومةٍ ولا مدروسةٍ في ظلِّ حكمِ رئيسٍ غائبٍ عن الوعي، متجاوزةً بذلك حقّ شعبٍ عنده مِن عناصر الوِحدة بدينِه ولغتِه وتاريخِه ما تتمنّاه أكثر الشّعوب ولا تجده، ومتجاوزةً مبادئ الحركة الوطنيّة ومقرَّرات الثّورة الجزائريّة على اختلافِ أصول مَن سطّرها -فمنهم العَربيّان كمحمّد بوضياف والعربي بن مهيدي، ومنهم الشّاوي كمصطفى بن بولعيد، ومنهم القبائليّ ككريم بلقاسم- الّتي فصلت  في قضيّة الدّين والهوية كما يشهد عليها نصّ بيان أوّل نوفمبر ضِمن أهدافه الخارجيّة: "تحقيقُ وِحدةِ شمال إفريقيا في داخل إطارها الطّبيعي العربي والإسلامي".
إذا اعتبرنا الأسس العِلميّةِ الّتي تنبني عليها اللّغة، فإنّ اللّغةَ لا تتوقّف عند مجرّدِ التّخاطب بها؛ بل يجب أنْ يتوفَر فيها مِن القدراتِ والإمكانات ما يجعلُها وسيلةً للتّلقين ونقلِ المعارف، فكيف بترسيمِها؟! فاللّغةُ تتطلّب شروطًا لا تتوفّر في الأمازيغيّة الّتي لا زالت في طوْر التّشكيل غير مُتهيّئةٍ لترسيمٍ لم يحنْ أوانُه، وإنّ اسْتعجالُ ترسيمِها سيأخذ أبعادًا ويُرتِّب آثارًا لا حاجة للبلاد والعباد إليها؛ وقد وجد المرسّمون لها أنفسَهم أمام إشكاليّةٍ تطبيقيّةٍ اختُرعَت لحلِّها لغةٌ معياريّةٌ اصطناعيّةٌ غريبةٌ عن اللّغة الأمازيغيّة الأمّ باختلاف لهجاتها -سواءً اجتُهدَ عبثًا في توحيدِ اختلافِها أو غُلّب بعضها على بعض-، لا يفهمها إلاّ الفئة القليلة مِن الجزائريّين، فضلاً عنْ قراءتِها عبر حروفِ التّيفناغ الّتي يعجزُ عنْ إجادتِها متعصّبو الأمازيغيّة أنفسهم! وبعد الاختراع ظهرت إشكالاتُ تدريسِها والتّعامل بها من حيث المحلِّ على الجغرافيا ونوعِ الأحرفِ الّتي تُكتب بها -والخلاف لا يزال قائمًا إلى اليوم سواءً حول إثباتِ أصلها (التيفيناغ) أو اختيارِ نوعِها-؛ إشكالاتٌ أنتجت لنا تناقضًا في ذاتِ المضمونِ الّذي أصبحت مِن خلالِه لغةً رسميّة؛ حيث نقرأ في أوّل بندٍ مِن المادّة الرّابعة: "تمازيغت هي كذلك لغة وطنيّة ورسميّة"، ثمّ نقرأ في البند الرّابع مِن نفس المادّة: "يستند المجمّع إلى أشغال الخبراء، ويكلّف بتوفير الشّروط اللاّزمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسميّة فيما بعد"، فكيف تُمنح لغةً ما، صفة الرّسميةِ وهي لا تزال في مرحلة التّرقية لم تبرح ورشة الخبراء؟! وما الّذي تحقّق مِن مضمون بند المادّة الثّاني الّذي به التّرسيم جُعل مرهونا: "تعمل الدّولة لترقيّتها وتطويرها بكلّ تنوّعاتها اللّسانيّة المُستعمَلة عبر التّراب الوطني"؟! ثمّ ماذا تطوّر في منحناها بين الأمس في 2002م واليوم في عام 2020م حتّى تتطوّر إلى درجة التّرسيم؟!
 ستُسهم هذه اللّغة المعياريّة المخترَعَة في القضاء على الأمازيغيّة الشّعبية الأصيلة وفي تآكلها واندثارِها على المدى البعيد؛ فلا هذه اللّغة تتطوّر وقد وُلدت هجينةً بدون حاضنة، ولا تلك اللّهجات تدوم مع وافدٍ يُهدّد بقاءَها سينسخ صفاتها ويُخلط مخارجها! ناهيكم عمّا يَنتُج عن ترسيمِها من تخصيصٍ لغلافٍ ماليٍّ ضخمٍ مِن الخزينةِ العموميّة يُنفَقُ على آلاف العاملين في سبيل تدريسِها وتطويرها المبيد لأصلِها -كما أشرتُ-، واستحداثِ ملايين اللاّفتات والأوراق عليها حروفٌ جديدة مِن غير طائل؛ دون نسيان الإشارة إلى أثر اللّغة الرّسمية الضرّة في الإخلال بما يُسمّى الأمن اللّغوي، مِن خلالِ مزاحمتِها للّغة العربيّة مُزاحمةً لنْ تكون إلاّ في صالح الفرنسيّة -وقد رأينا شغف رؤوس البربريست بالفرنسية في تخاطبِهم وهم للواء الأمازيغيّة يتبنّون-.
كان الأمازيغ أسعد بأمازيغيّتهم لو أُبقيت في الدّستور لغةً وطنيّةً لم تتجاوزْ درجتَها إلى مرتبة الرّسميّة، وهي بشخصيّتِها الثّقافيّة وأصالتِها التّاريخية الّتي تجري على لسانِ أهلها بأنواعِ لهجاتِهم أسلم من عواقب التّرسيم.
وعليه، كان الأصلُ عدم ترسيم هذه اللّغة المعياريّة؛ لكنْ ممّا يُحذرُ -اليوم- هو إلغاء نصّ التّرسيم مِن المشروع التّمهيدي لتعديل الدّستور، بعد أن أثبتها وقررّها دستور 2016م؛ فإنّ أيّ خطوة من هذا القبيل هي بمثابة مغامرةٍ قد تفتح على الجزائر باب فتنةٍ جهويّةٍ يوقد لها المتربّصون والمنافقون نارًا يصعب إخمادها..، فالحكمةُ الإبقاء عليها، لكنْ بالصّفة المُعلَّقةِ الّتي يُشير إلى معناه البند الرّابع مِن نفس المادّة، حيثُ يُؤجَّلُ تجسيدُ ترسيمها إلى غاية تحقيق شروطه في حالِ إقرارِ أصلِه عبر الاستفتاءِ الشّعبي؛ فأقترح بناءً على ما تقدّم أنْ تُصاغ المادّة كمايلي:
"1. تمازيغت هي لغة وطنيّة.
2. هي لغة رسميّة بعد توفير الشّروط اللاّزمة لترقيّتها وتهيئةِ الأركان المجسّدةِ لترسيمها.
3. تعمل الدّولة لترقيّتها وتطويرها بكلّ تنوّعاتها اللّسانيّة المستعملّة عبر التّراب الوطني.
4. يُحدث مجمّع جزائري للغة تمازيغت يستند إلى أشغال الخبراء يوضع لدى رئيس الجمهوريّة.
5. تحدّد كيفيّات تطبيق هذه المادّة بموجب قانون عضوي".
[11] حمايةُ العَلَم والنّشيد الوطنيّين مِن المُزاحمة_
جاء في البند الأوّل مِن المادّة 6 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الأوّل (المبادئ العامّة الّتي تحكم المجتمع):
"1. العلَم الوطنيّ والنّشيد الوطنيّ مِن مكاسب ثورة أوّل نوفمبر 1954 وهما غير قابلين للتّغيير".
إنّ الرّاية الوطنيّة في كلّ أمّةٍ هي رمز سيادتِها وولائِها وانتِمائِها، وإنّ النّشيد الوطنيّ في كلّ بلدٍ هو شعار هويّتِه وتاريخِه ونضالِه؛ فأيُّ رايةٍ أخرى تُقابلُ برمزيّتها راية الوطن، وأيّ نَشيدٍ آخر يُضاهي بشعارِه نَشيد الوطن؛ وجب أنْ يُعتبرَ ذلك أداة ضرارٍ وعمل شِرارٍ يقوم على مبدأ الانْفصال المُهدِّد لاستقرار البلاد والمخلِّ بوحدة العِباد؛ وما تلك الآثار الّتي جنيناها مِن التّساهلِ مع تلك الرّموز والشّعارات الّتي وُلدت ثقافيّةً هوياتيّةً ثمّ انتهَت سياسيّةً انفصاليّة، عنّا ببعيدة...
ومنه، لَزم أخذُ العِبرة عمّا مضى واستخلاصُ الدّرس لما يأتي، مِن خلالِ تجريم اتّخاذ الرّايات والأناشيد ضرائر للعَلَم والنّشيد الوطنيّين مِن حيث الرّمزية والشّعار؛ فأقترحُ إضافة بندٍ يُجعل ثانيًّا في ترتيب بنود المادّة لتكون صياغتُها على الشّكل التّالي:
"1. العلَم الوطنيّ والنّشيد الوطنيّ مِن مكاسب ثورة أوّل نوفمبر 1954 وهما غير قابلين للتّغيير.
2. يُجرِّمُ القانون اتّخاذ أيّ رايةٍ أو نشيدٍ يُضاهي العَلَم والنّشيد الوطنيّين ويُزاحمهُما في الرّمزيّة والشّعار بشتّى الوسائل.
3. هذان الرّمزان مِن رموز الثّورة... إلخ".
[12] استثناءُ بعض البلديّاتِ بنظامٍ خاص_
جاء في البند الثّالث مِن المادّة 16 تحت الفصل الثّالث ضِمن الباب الأوّل (المبادئ العامّة الّتي تحكم المجتمع):
"3. يُمكن القانون أنْ يخصّ بعض البلديّات بنظام خاص".
قد أحدَثت هذه العبارة جَدَلاً واسعًا وأسالت حبرا كثيرا؛ فما بين متخوّفٍ منها مطالبٍ بإلغائِها لما يُفيده ظاهرها مِن نيّة استحداث بلديّاتٍ فوق العادة تتنافى طبيعتُها مع حقّ العدل والمساواة ويفتح استثناؤُها باب التّمييز والتّفتيت، ومتأوّلٍ لها بقصدِ منحِ بعض الامتيازات لبلديّاتٍ لها ظروفٌ وخصوصيّاتٌ مناخيّةٌ أو جغرافيّةٌ أو أمنيّةٌ أو اقتصاديّةٌ أو ثقافيّةٌ ونحو ذلك؛ كلّ ذلك بسبب ما اكتنَفَها مِن غموضٍ وما أحاطَها مِن ضَباب.
وعليه، يُتمنّى تفسير تلك العبارة وتقييدها بما يدفعُ الشّبهة ويُزيل الارتباك، أو العدول عن إثباتِ المادّة وإلغاؤُها، مع التّنبيه إلى ارتباط ما بعدها -المادّة 17- بها تفسيرًا وتقييدًا أو عدولاً وإلغاءً؛ فأقترح في حالةِ الإبقاء عليها إخراجها مِن دائرةِ الإجمال بصياغتِها على النّحو التّالي:
"3. يُمكن أنْ تُخصّ بعض البلديّات بنظام خاصٍّ يتماشى مع ظروفِها وخصوصيّتها، يخضع إلى قوانين الجمهوريّة ولا يتعارض مع الدّستور".
[13] مشاركةُ الجزائر في عمليّات حِفظِ السّلام وخروجُ الجيش إلى خارج الحدود_
جاء في المادّة 31 تحت الفصل الثّالث ضِمن الباب الأوّل (المبادئ العامّة الّتي تحكم المجتمع):
"1. تمتنع الجزائر عن اللّجوء إلى الحرب مِن أجل المساس بالسّيادة المشروعة للشّعوب الأخرى وحرّيتها.
2. تبذل جهدها لتسوية الخلافات الدّولية بالوسائل السّلمية.
3. يُمكن للجزائر في إطار الأمم المتّحدة، الاتّحاد الإفريقي وجامعة الدّول العربيّة وفي ظلّ الامتثال التّام لمبادئِها وأهدافِها أنْ تُشارك في عمليّاتِ حفظ واستعادةِ السّلام".
في هذه المادّة ما يرفعُ الشّكوك ويُزيل المخاوف الّتي أثارتها المادّة الواردة في البند الثّالث مِن المادّة 95 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الثّالث (تنظيم وفصل السّلطات): "يُقرّرُ إرسال وحدات مِن الجيش إلى الخارج بعد مصادقة البرلمان بأغليّة الثّلثين 3/2 مِن أعضائِه"؛ فالمادّة 31 صريحةٌ وواضحةٌ في تقريرِ امتناعِ الجزائر عن المساس بسيادةِ الشّعوب وحرّيتها، والتزامِها ببذلِ جهودِها لتسوية الخلافات الدّولية سلميًّا، وامتثالِها التّام لمبادئِها وأهدافِها في حالِ مشاركتِها في عمليّاتِ حفظ واستعادةِ السّلام.
ومنهُ، الأفضل نقل البند الثّالث مِن المادّة 95 وضمّه إلى المادّة 31 وجعلِه مع بنودِها، ليتكاملَ السّياق ويتحدّد، ويتّضح المفهوم ويتوحّد، وينقطِع الاحتمال ويتبدّد؛ فأقترحُ مع الجمعِ وشيءٍ مِن الإضافةِ أنْ تكون صياغة المادّة على الشّكل التّالي:
"1. تمتنع الجزائر عن اللّجوء إلى الحرب مِن أجل المساس بالسّيادة المشروعة للشّعوب الأخرى وحرّيتها.
2. تبذل جهدها لتسوية الخلافات الدّولية بالوسائل السّلمية.
3. يُمكن للجزائر في إطار الأمم المتّحدة، الاتّحاد الإفريقي وجامعة الدّول العربيّة وفي ظلّ الامتثال التّام لثوابتِها ومبادئِها وأهدافِها أنْ تُشارك في عمليّاتِ حفظ واستعادةِ السّلام.
4. يُقرّرُ رئيس الجمهوريّة إرسال وحداتٍ مِن الجيش إلى الخارج بعد مصادقة البرلمان بأغليّة الثّلثين 2/3 مِن أعضائِه".
[14] التّوازنُ بين الحقوقِ والواجبات_
مِن الأشياء اللاّفتة للانتباه، ذلك الاختلالُ الظّاهر بين مواد المشروع التّمهيدي لتعديل الدّستور المتعلّقةِ بباب (الحقوق الأساسيّة، الحريّات العامّة والواجبات)، أين طغت فيه الحقوق على الواجبات؛ حيث تمّ تخصيص قرابةَ سبعةٍ وأربعين مادّة للحقوق بينما لم تُخصّص للواجبات إلاّ خمسة مواد! وهذا يتنافى مع مبدأ تكريس معنى المواطنة الّتي تحرص عليه الدّول الحديثة في دساتيرِها مِن خلالِ موازنتِها بين الحقوق والواجبات، مِن ذلك ما تضمّنته الاتّفاقيّة الأمريكيّة لحقوق الإنسان -أو ما يُعرَف باتّفاقيّة حلف سان خوسيه كوستاريكا- مِن التّقارب الظّاهر في بنودِها بين الحقوق والواجبات، وما ذلك إلاّ للتّساوي بينهما مِن حيث الحجم والأهميّة؛ حيث يُساعد كلاهما على بناءِ دولةٍ صلبةٍ يقف كلّ فردٍ مِن أفرادِها عند حدودِه ومسؤوليّتِه؛ بل مِن دساتيرِ الدّول ما ترجّح كمّ الواجبات فيها على الحقوق -على هذا عامّة الدّول الآسياويّة-. والتوسّط في دسترةٍ تُوازِن بينها تقوم عليه الدّولة بأساسٍ سليمٍ مستقيمٍ غير معوجّ.
وعليه، تغليبُ باب الحقوق على الواجبات لا يُنتج لنا مواطنًا مسؤولاً يستشعرُ دورَه اللاّزم اتجاه بلدِه ومَن حولَه، وإنّما يُخرجُ فردًا مُدلَّلاً يلهثُ خلف امتيازاتٍ يستنزفُ بها كلّ ما قدِرَ عليه باسم الحقوق! فأقترحُ اعتبار هذا المبدأ لأهميّتِه الكبرى مِن خلالِ إعادة النّظر في توزيع الحقوق والواجبات، فيُجتهَدُ في تعديلِ ميزانِه، أو إدراج ما غاب مِن الواجبات الّتي يَلزمُ إدراجها، وكذلك نقل بعض الحقوق إلى إطار الواجبات بتغييرِ صياغتِها مثل بُند: "للمواطن الحقّ في بيئةٍ سليمةٍ في إطارِ التّنمية المُستدامة" في المادّة 67.
[15] حريّةُ الرّأيِ والمُعتقَد وحريّة ممارسة العبادة_
جاء في المادّة 51 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الثّاني (الحقوق الأساسيّة، الحريات العامّة والواجبات):
"1. لا مساس بحُرمة حريّة المُعتقَد، وحُرمة حريّة الرّأي.
2. حريّة ممارسة العبادات مضمونة. وتُمارَس بدون تمييز في إطار احترام القانون.
3. تضمن الدّولة حماية أماكن العبادة وحيادها".
لا شكّ أنّ كلاًّ مِنْ حريّة الرّأي وحريّة المُعتقد وحريّة ممارسة العِبادة، هي مِن أعلى مقامات الحريّة الإنسانيّة لما تنطوي عليه مِن حريّة الفكر والوُجدان والضّمير، ولقد أصّل الإسلام -وهو دين الدّولة- للحريّة ووسّعت شريعته مجالها توسيعًا لم تصل إليه الأنظمة البشريّة، قام على مبدأ عدم استعباد النّاس وتقييد حريّاتِهم وإكراههم في دينهم؛ لكن ثمّة ضوابط تُقيّد هذا المبدأ وتحفظه مِن الاستغلال، وإنّ فتح المجال لمُطلقِ حريّات الرّأي والمُعتقَد وممارسة العبادة وشعائِرِها دون تمييزٍ بينها مع حمايتِها والوقوف موقف الحيادِ أمام محلاّتِها، له تبعاتُه الخطيرة على استِقرارِ المجتمع ووحدتِه العقَديّة الّتي تُعدّ إحدى أعمدة تماسُك الدّول وأمنِها، يأبى هذا دينُنا وسيادتُنا وعُرفنا؛ بل تأباه الدّول الّتي تدعّي ضمان تلك الحريّات المزعومة وإعلانُها الحقوقيّ يُقيّدها بعدم المسّ بالنّظام العام! علاوةً على ما يُتيحه ذلك الإطلاق مِن تجاوز الحريّة الضّميريّة الدّاخليّة وما يعنيه مِن حقّ الفرد في الإيمان أو الكفر بما شاء والقول والتّفكير فيما شاء، إلى حريّة الاستظهار الخارجي وما يعنيه مِن حقّ الفرد في نشر مُعتقدِه ورأيِه بين الآخرين، وقد يَشيعُ الرّأي وينتشر الاعتقاد بمجّرد ممارسةِ صاحبِه له وإعلانِه به.
فتدخل ضمنيًّا فيما سبق: حريّة تبديل الدّين وتعليق الصّلبان، وحريّة الإلحاد وسبّ الإسلام، وحريّة تقديس الخرافة وعبادة الشّيطان، وحريّة الرّأي الشّاذ والفِكر المُنحرف، وحريّة الاستهزاء بالمقدّسات قولاً ورسمًا عبر الصّور الكاريكاتوريّة..، وغيرها مِن الحريّات المتمرّدة على الدّين والمنسلخة مِن العُرف؛ ففتح باب حريّة الرّأي والمُعتقَد وممارسة العبادة بدون تقييد ولا تمييز، يندرج ضمن الحريّات المطلقة الّتي لا وجود لها واقعًا في أكبر الدّول ادّعاءً للدّفاع عن الحريّات! وقد أقرّت المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان -على سبيل المثال- في العديد مِن أحكامها بحقّ الدّول في فرض قيودٍ وتحديداتٍ قانونيّةٍ على ممارسة بعض الحقوق والحريّات أملتها -كما برّرت- ضرورات حفظ الأمن أو النّظام العام أو الآداب العامّة أو حقوق الآخرين وحريّاتِهم..؛ بل ورد هذا المعنى أكثر وضوحًا في العهد الدّولي الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسية بتناوله موضوع تقييد حريّة إظهار الدّين والمعتقد، حيث جاء في البند الثّالث مِن مادّتِه (18): "لا يجوز إخضاع حريّة الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلاّ للقيود الّتي يفرضها القانون والّتي تكون ضروريّةً لحماية السّلامة العامّة أو النّظام العام أو الصحّة العامّة أو الآداب العامّة أو حقوق الآخرين وحريّاتهم الأساسية"؛ وهذا هو المبدأ المعمول به في عامّة دول الغرب مِن خلال تمييز النّصرانيّة عن الإسلام مِن جهة إظهار الشّعائر وممارسة العبادات، رغم علمانيّة بعضها واتّساع الجالية الإسلاميّة! حيث مُنع -مثلاً- إعلان الأذان عبر مكبّر الصّوت، والانفراد المطلق والظّاهر بالتّذكية، وارتداء النّقاب..؛ بل تصل بعض تلك الممنوعات إلى تجريم فعلها إذا تعارضت مع القانون أو لاقت رفضًا اجتماعيًّا.
إنّ إطلاق حريّة الرّأي والمُعتقد وممارسة العبادة بدون تمييز، يجب أنْ يخضع في البلاد الإسلاميّة والعربيّة لمبدأ النّسبيّة مِن حيث الاختلاف في الزّمان والمكان؛ فربّما فُهِم -مثلا- هذا الإطلاق دون أدنى تمييزٍ في دستور بلدٍ كلبنان لما نعرفه عن شعبِها مِن التنوّع الدّيني والطّائفي، لكنّه لا يُمكن أنْ يُفهم في بلدٍ كالجزائر حيث شعبها يدين بالإسلام إلاّ ما شذّ منه وانْسلخ!
ألا إنّنا نحترم الإعلانات الحقوقيّة العالميّة ونشكر مساعي المنظّمات الّتي تُعنى  بمجال الحريّات -إلاّ فيما تناقض مِن مُخرجاتِها مع ثوابتِنا ومبادِئِنا-؛ لكنْ تأبى سيادتُنا أنْ تُكيَّف قوانينُها أو تُوجَّه سياستُها بما يستجيبُ لبعض الضّغوط الخارجيّة غير المؤسَّسة الّتي تسعى إلى قَولَبةِ قيَمِنا وضربِ معتقداتنا باسم حُقوق الإنسان، أو تَضعُفُ أمام تضييقِها وتحريجِها مِن أجل مطالب تتعارض مع مُعتقداتِنا الإسلاميّة ومُقوّماتِنا الوطنيّة؛ إنّ الجالياتِ غير المسلمة عندنا تلتزم مُعتقدَاتها وتُمارس عباداتها بحريّةٍ تامّة -والكنائس شاهدة- وبنصوصٍ قانونيّةٍ تضمن لهم حمايةً لا تفتقر إلى استحداثٍ تشريعيٍّ جديد، وهي الأحقّ بالحريّة والحماية دون سواها مِن غير المسلمين متى كانت مُتقيّدةً بقوانيننا مُحترمةً لأعرافِنا.
لا تظهر ثمّة حاجةٌ تقتضي ذلك التوسّع غير المبرَّر في التّمهيد لدسترةٍ تمييعيّةٍ تُأسِّسُ لحريّة الرّأي والعبادة دون قيدٍ ولا تمييز، لا سيّما مع نتائجِه في فتحِ البابِ على ضِعاف النّفوس للتمرّد على الثّوابت والانْسلاخ مِن الدّين فالدّعوة إليهما، ثمّ أثره على استقرارِ البلاد وأمنِها على المدى البعيد باعتبارِ المكانة الّتي تحتلّها الهويّةُ الدّينية في المجتمع الجزائري ورابطتُه الإيمانية الصّلبة بين أفراده، فضلاً عمّا يُمكن أنْ تتسبّب فيه الممارسة المُعلَنة للعبادة غير الإسلاميّة مِن الإضرار بالنّظام العام؛ ثمّ قبل ذلك وبعده، نأتي لنفرِضَ لتلك الحريّة وممارستها احترامًا مُطلَقًا وحيادًا غير مُميِّزٍ يشملُ مَن كان لنا ولدينِنا مِن المُشاقّين! وإنّ احترامَنا لبعضِنا في حريّةِ ولائِهِ لغير دينِنا وحمايتَنا لممارسته له، مثل احتِرامِنا له في ولائِه لغير الوطن وحمايتِنا لممارسته له، فهل يستوي مَن كان ولاؤُه لوطنه مع من كان ولاؤه لغير وطنِه؟! لا يستويان!
ومنه، كان التّقييدُ لحريّتَي المعُتَقَد والرّأيِ، والتّمييز في ضمان ممارسةِ العبادة، وعدم الحياد المطلَق حيالَ أنواعِها؛ التزاماتٌ ضروريّةٌ في حالتِنا، حيث نحظى بوحدةٍ دينيةٍ وعَقَديّة تتوافق تمامًا مع المادّة الثّانية مِن الدّستور: (دين الدّولة الإسلام)، فكان التّقييد لتلك المادّة (المادّة 51) بما لا يتعارض مع الأخيرة واجبًا قانونيًّا، وكان التميُّز الّذي ينسجم مع دين الأمّة الجزائريّة حقًّا شعبيًّا، ولمّا كان الحيادُ إزاءَ أماكن العبادة وحمايتِها قرينًا لعدمِ التّمييز استحقَّ حكمه المفصَّل قبلاً؛ فأقترح تعديل المادّة بما يجعلها مُتناسقةً مع كلّ ما سبق التّنبيه إليه وبيانُه بالصّياغةِ التّالية:
"1. لا مساس بحُرمة حريّة المُعتقَد، وحُرمة حُريّة الرّأي؛ ما لم تتعارَض مع الدّين أو تُخلّ بالنّظام العام أو تُخالِف القانون أو تُنافي الآداب.
2. حريّة ممارسة العبادات مضمونة وتُمارَس في إطار احترام القانون؛ ما لم تتعارَض مع الدّين أو تُخلّ بالنّظام العام أو تُخالِف القانون أو تُنافي الآداب هي كذلك.
3. تضمن الدّولة حماية المساجد والمعابِد المُرخَّص لها".
[16] حريّةُ التّعبير والاجتماع والتّظاهُر_
جاء في المادّة 52 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الثّاني (الحقوق الأساسيّة، الحريات العامّة والواجبات):
"1. حريّة التّعبير مضمونة.
2. حريّة الاجتماع وحريّة التّظاهر العموميّ مضمونتان. وتمارَسان بمجرّد التّصريح بذلك. يُحدِّد القانون كيفيّات ممارستها".
إنّ الضّمان لحريّات التّعبير والاجتماع والتّظاهر مع إتاحتها بمجرّد التّصريح، مِن الأشياء الّتي تُشعر بجديّة الدّولة في عزمها على رفع القيود عن الحريّات؛ ولمّا كان هذا الباب مَدخلاً لسوء الاستعمال والاستغلال؛ استحقّ تقييد الأصل وتحديد النّوع بما يضبط الأمور أخلاقيًّا.
وعليه، مِن الضّروريّ أخلقة حريّة التّعبير برسم خطٍّ عامٍّ لها لا تتجاوزه، وتقييد حريّة الاجتماع وحريّة التّظاهر بالسّلميةِ مع تخصيص ممارستها بمجرّد التّصريح فيما إذا كانت ذات طابعٍ سياسيّ، والإبقاء على الاجتماعات والتّظاهرات الثّقافية والاجتماعيّة وغيرها على أصل اشتراط التّرخيص اعتبارًا لاحتمال إساءةِ استعمالِها واستغلالِها مِن البعض؛ فأقترحُ إضافةَ الضّوابطِ والقيود المُشار إليها لتُصاغ المادّة على النّحو التّالي:
"1. حريّة التّعبير مضمونة، ما لم تتعارَض مع الدّين أو تُخلّ بالنّظام العام أو تُخالِف القانون أو تُنافي الآداب.
2. حريّة الاجتماع وحريّة التّظاهر العموميّ السّلمي في إطار العمل السّياسي مضمونتان. وتمارَسان بمجرّد التّصريح بذلك. يُحدِّد القانون كيفيّات ممارستها
3. حريّة الاجتماع وحريّة التّظاهر العموميّ السّلمي في غير إطار العمل السّياسي مضمونتان. وتمارَسان بعد التّرخيص في ذلك. يُحدِّد القانون كيفيّات ممارستها".
[17] إنشاءُ الجمعيّات_
جاء في المادّة 53 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الثّاني (الحقوق الأساسيّة، الحريات العامّة والواجبات):
"1. حقّ إنشاء الجمعيّات مضمون. ويُمارس بمجرّد التّصريح بذلك.
2. يحدّد القانون العضوي كيفيّات إنشاء الجمعيّات.
3. لا تُحلّ الجمعيّات إلاّ بمقتضى قرار قضائي".
لمّا كانت إجراءات حقّ إنشاء الجمعيّات أسهل مِن إجراءات حقّ إنشاء الأحزاب مِن جهة ارتفاع شرط التّرخيص لممارستِه؛ بل يكفي مجرّد التّصريح لإنشاء جمعيّة؛ وجب ضبط هذا الحقّ بعدم سوء استغلالِه واستِعمالِه فيما يضرّ بالمجتمع والصّالح العام.
ومنه، أتمنّى تقييد ممارسة حقّ إنشاء الجمعيّات بما قُيّدت به ممارسة حقّ إنشاء الأحزاب في البند الثّالث مِن المادّة (57) مِن المشروع التّمهيدي لتعديل الدّستور؛ فأقترح إضافة نفس القيد هنا لتُصاغ المادّة بالشّكل التّالي:
"1. حقّ إنشاء الجمعيّات مضمون. ويُمارس بمجرّد التّصريح بذلك.
2. يحدّد القانون العضوي كيفيّات إنشاء الجمعيّات.
3. لا يُمكن التذرّع بهذا الحقّ لضرب الحريّات الأساسيّة، والقيم والمكوّنات الأساسيّة للهويّة الوطنيّة، والوحدة الوطنيّة، وأمن التّراب الوطني وسلامته، واستقلال البلاد، وسيادة الشّعب، وكذا الطّابع الدّيمقراطيّ والجمهوريّ للدّولة.
4. لا تُحلّ الجمعيّات إلاّ بمقتضى قرار قضائي".
[18] ترقيةُ الحقوق السّياسيةِ للمرأة_
جاء في المادّة 59 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الثّاني (الحقوق الأساسيّة، الحريات العامّة والواجبات):
"1. تعمل الدّولة على ترقية الحقوق السّياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.
2. يُحدّد قانون عضوي كيفيات تطبيق هذه المادّة".
إنّما يقوم مبدأ التّمثيل في المجالس المنتخبة على الكفاءة مهما كان جنس صاحبها، والشّعب وحده هو الّذي يُقدّر الأجدر بتمثيله مِن بين تلك الكفاءات؛ وتدخّل الدّولة في هذا الشّأن باسم العمل على ترقية الحقوق السّياسية للمرأة عبر توسيع حظوظ تمثيلها في الجالس المنتخبة، يتناقض مع مبدأ المساواة بين المواطنين، ويُكرّس التّمييز على أساس الجنس، ويُعلن الوصاية على أصحاب الحقّ في اختيارِ ممثّليهم مِن الشّعب والعاملين في الحقل السّياسي -وفي هذا تقييد للحريّات-؛ وقد رأينا نتائج هذا التدخّل في الانتخابات التّشريعيّة الأخيرة وما أسفرت عنه مِن الضّعف الظّاهر مِن حيث جودة التّمثيل.
وعليه، لا تظهر أيّ فائدة مِن وراء عمل الدّولة على هذا السّياق ما دام حقّ المرأة في العمل السّياسي وترشّحها مضمونان، وحق الشّعب في اختيار مَن أراد مِن ممثّليه مهما كان جنسهم محفوظ؛ فأقترحُ إلغاء هذه المادّة لعدم وجود ما يُبرّر إيرادها ولثبوت ما يكشف آثارها السيّئة.
[19] حيادُ المؤسّسةِ التّربويّة_
جاء في البند الرّابع مِن المادّة 68 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الثّاني (الحقوق الأساسيّة، الحريات العامّة والواجبات):
"4. تسهر الدّولة على ضمان حياد المؤسّسات التّربويّة وعلى الحفاظ على طابعها البيداغوجي والعلمي".
إنّما شُيّدَت المدارس لتأديّة دورها البيداغوجي والعلمي، وأُنشئت لغرس رسالتها التّربوية والأخلاقيّة عبر الأجيال؛ فهما مهمّتان تسعى في تأديّتهما المؤسّسة التّربويّة لتخرِج لنا طلاّبا متفوّقين في تخصّصاتِهم العلميّة، وأيضا متشّبعين بالمعاني الأخلاقيّة والسّلوكية ومعتزّين بالمبادئ الإسلاميّة والوطنيّة، وإنّ كافّة دول العالم تقوم مدارسُها على مبدأ الجمع بين الدّورين العِلمي والتّربوي؛ وورودُ عبارة "حياد المؤسّسات التّربوية" مطلقةً مِن غير تفصيل أو قيد، فتح الباب على تأويلاتٍ حملت تهمًا صريحةً بإرادة تعطيل المدرسة عن أداء دورِها الرّسالي المتمثّل في تنشئة الأجيال على مبدأ التّربية الإسلاميّة والانتماء الوطني؛ قد يكون هذا التّأويل شديدًا بسبب عبارةٍ لم يُقصد مِن ورائِها المعنى المتخوَّف منه أصلاً، لكنْ مهما كان المُراد مِن كلمة (حياد) ما كان ينبغي أنْ توضع مِن غير قيدٍ في سياقٍ حسّاس يقوم عليه مشروعُ الأجيالِ ومستقبل الأمّة...
ومنه، وجب إضافة ما يُفسّر المقصود بتحييد المؤسّسة التّربوية قطعًا لأسبابِ الارتياب وإغلاقًا لأبواب التأويل، فيُنَصّ -مثلا- على تحييدها عن السّياسة ونحوها؛ فأقترحُ إضافة ما يُقيّد إطلاقَ كلمة (حياد)، أو إلغاءَها لتُصبح على النّحو التّالي:
"4. تسهر الدّولة مِن أجل الحفاظ على الطّابع البيداغوجي والعِلمي للمؤسّسات التّربويّة".
[20] تشغيلُ المرأةِ وترقيّتُها في مناصب المسؤوليّة_
جاء في البند الرّابع مِن المادّة 71 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الثّاني (الحقوق الأساسيّة، الحريات العامّة والواجبات):
"1. تعمل الدّولة على ترقية التّناصف بين الرّجال والنّساء في سوق التّشغيل.
2. تُشجّع الدّولة ترقية المرأة في مناصب المسؤوليّة في الهيئات والإدارات العموميّة وعلى مستوى المؤسّسات".
فُرصُ العمل في سوق التّشغيل بين الجنسين متساويّة، والأصل أنّ مبدأ اختيار المُستخدِم للعامل يقوم على اعتبار الكفاءة لا الجنس؛ فلا معنى أنْ تسعى الدّولة في سبيل هذا التّناصف المُكرِّسِ للتّمييز على أساس الجنس، كيف والواقع يحكي ظاهرة حِرمان الرّجل مِن حقّ التّشغيل بسبب امرأةٍ تُقدَّمُ على حسابِ كفاءتِه؟! بل المنطق يقضي بأنْ تُعطى الأولويّة في هذا الميدان للرّجل قبل المرأة، ليس لجنسِه وإنّما لمسؤوليّتِه الفطريّة والشّرعية الواجبة عليه اتجاه بناء البيت وإعالة الأسرة؛ فعلاوةً على تكريسِ هذا التّناصف للتّمييز، هو يُثبّتُ قاعدةَ حرمان الحقّ مِن صاحب الأولويّة به! أمّا تشجيع الدّولة لترقية المرأة في تلك المناصب؛ فهو مرفوضٌ أيضا، لتكريسِه مبدأ التّمييز على أساس الجنس في موضع اعتبارِ أولويّة الكفاءة.
وعليه، لا تُرجى أيّ فائدةٍ مِن وراء عمل الدّولة على هذا المبدأ وتشجيعها له، إلاّ المزيد مِن الإخلالِ بأولويّة الكفاءة على غيرها، والمزيد مِن الإجحاف بحقّ الرّجل في شغلٍ يُعيل به أسرةً هو صاحب القِوامة فيها..؛ فأقترحُ إلغاء هذه المادّة لعيوبِها وعدم فائدتِها، ولثبوت ما يكشف آثارها السيّئة.
[21] حريّةُ الإنتاج الفكري_
جاء في البند الثّاني مِن المادّة 78 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الثّاني (الحقوق الأساسيّة، الحريات العامّة والواجبات):
"2. لا يُمكن تقييد هذه الحريّة إلاّ عند المساس بكرامة الأشخاص".
حسنًا صنعت اللّجنة إذْ قيّدت حريّة الإنتاج الفكري بعدم المساس بكرامة الأشخاص في هذه المادّة، لكنْ كان الأمر أحسن لو انْضاف إلى القيد عدم المساس بثوابت الأمّة ومقوّمات الوطن.
ومنه، يُستحسن إضافة ما تمّت الإشارة إليه مِن القَيد كي يُمارِس الإنتاج الفكري حريّته دون مساسٍ بما لا ينبغي المساس به؛ فأقترح إضافة قيْد عدم المساس بالثّوابت والمقوّمات لتصبح الصّياغة على النّحو التّالي:
"2. لا يُمكن تقييد هذه الحريّة إلاّ عند المساس بثوابت الأمّة ومقوّمات الوطن وكرامة الأشخاص".
[22] مُزدوِجو الجنسيّة وتولّي المسؤوليّات العُليا والوظائف السّامية_
لقد اختفت المادّة 63 مِن الدّستور في هذا المشروع التّمهيدي المتعلّقةِ بتولّي المسؤوليّات العليا في الدّولة والوظائف السّياسيّة، والّتي تشترط في المتولّي لها التمتّع بالجنسّية الجزائريّة وحدها دون سواها؛ ويتضمّن هذا الشّرط أهميّةً بالغةً حسّاسةً جدًّا لارتِباطِها بالسّيادةِ الجزائريّة وأمنِها القومي.
وعليه، أرجو أنْ تُعيد اللّجنة إدراج المادّة المُشار إليها ضمن هذا المشروع لضرورتِها، مع إضافةٍ تتحدّدُ بموجبِها أنواع المسؤوليّات العليا والوظائف السّامية الّتي يشملها شرط التمتّع بالجنسيّة الجزائريّة وحدها.
 [23] نائب الرّئيس_
جاء في البند السّادس مِن المادّة 95 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الثّالث (تنظيم وفصل السّلطات):
"6. يُمكن أنْ يُعيّن نائبًا للرّئيس وينهي مهامه، ويُمكن أنْ يُفوّض له البعض مِن صلاحيّاته باستثناء تلك المنصوص عليها في المادّة 97".
إنّما يقوم رئيس الجمهوريّة على رأس السّلطة التّنفيذيّة بناءً على انتخابٍ شعبيٍّ وضع النّاس من خلالِه ثقتهم فيه، وهي ثقةٌ لا تقبل التّفويض للغير لا سيما أمام تلك المهام الخطيرة والصّلاحيات الحسّاسة الّتي قد يُساء استخدامُها مِن طرف النّائب في غيرِ مراد المَنوب عنه وعلى غير طموح المنتخبين؛ وقد مرّت بنا مِن التّجارب ما يشبه التّفويض بالنّيابة فرأينا آثارها الكارثيّة على أمنِ البلد واستِقرارِه -والسّعيد مَن وُعظ بغيرِه-..؛ فالأسلم لرئيس الجمهوريّة والأبرَأ لذمّتِه، هو الحِفاظ على الثّقة الّتي وضعها فيه الشّعب عبر تفويضٍ لا يقبل النّقل إلاّ باختيارٍ مستقلّ.
وعليه، الرّأيُ أنْ يُعاد النّظر في إثبات هذه المادّة مِن أساسِها، أو تُعدّل مِن خلال إرجاع التّفويض في تعيين نائب الرّئيس إلى صاحب الأصل -وهو الشّعب- فيختاره بنفسِه عبر انتخابٍ يشمله والرّئيس كما يجري العمل به في بعض دول العالم، وهذا التّعديل يقتضي مراجعة النّصوص القانونيّة المتعلّقة بالانتخابات الرّئاسيّة تَبَعًا؛ فأقترح إمّا إلغاء المادّة وإمّا إعادة صياغتِها على النّحو التّالي:
"6. يُحدِّد رئيس الجمهوريّة مهام نائبِه المنتخَب، ويُمكن أنْ يُفوّض له بعض صلاحيّاته باستثناء تلك المنصوص عليها في المادّة 97، ويُمكن أنْ يُنهي مهامَه".
[24] البرنامج الّذي تسير عليه الحكومة_
جاء في البند الأوّل مِن المادّة 108 تحت الفصل الثّاني ضِمن الباب الثّالث (تنظيم وفصل السّلطات):
"1. يُمكن رئيس الجمهوريّة بعد استشارة الأغلبيّة البرلمانيّة أنْ يُعيّن رئيس الحكومة ويكلّفه بإعداد برنامج الأغلبيّة البرلمانيّة".
يُعدّ النّظام شبه رئاسي -أو شبه برلماني- في تقديري وتقدير الكثير مِن العارفين بهذا الشّأن، أحسن أرضيّةٍ لدفع الاستفراد بالسّلطات أو تصادمها، وتحقيق مبدأ التّوازن بينها وتناسقِها؛ وقد قالت اللّجنة مشكورةً في هذا الشّأن ضمن عرض الأسباب: "استبعدت اللّجنة فرضيّة النّظام البرلماني الّذي لا يُشكّل بديلاً حقيقيًّا بالنّظر إلى السوسيولوجيا السّياسيّة في الجزائر. وفي هذا الشّأن رفضت اللّجنة الخوض في الخيار بين النّظام الرّئاسي أو النّظام البرلماني باعتبار أنّهما مجرّد بناءٍ فقهيٍّ للاستعمال البيداغوجي غير قائم على معيار دقيق؛ وقد اتّفق الأعضاء على ضرورة اعتماد نظام شبه رئاسي يبقى على الشّكل الحالي للحكم لضمان وحدة السّلطة التّنفيذيّة وتجانسها، وترشيد نشاطها، وتحرير رئيس الجمهوريّة مِن الأعباء المرتبطة بالتّسيير الحكومي مع المحافظة خاصّة على شرعيّته الّتي يستمدّها مِن الانتخاب عن طريق الاقتراع العام".
ومنه، مادام رئيس الجمهوريّة يُنتخبُ مِن الشّعب بناءً على برنامجٍ عرضه عليه، ومادامت الأغلبيّة البرلمانيّة قد اختارها الشّعب لتَمثيلِه في المؤسّسة التّشريعيّة على أساس برنامجِها؛ فلا أتصوّر في تسيير الحكومة ببرنامج الأغلبيّة البرلمانيّة إلاّ إضعافًا للمؤسّسة التّنفيذيّة ممثَّلةً في رئيسِ جمهوريّةٍ قد انتُخب عليه مِن أجل إنجازِ وعودٍ أعلنها في برنامجه الانتخابي، كما لا أتصوّرُ إهمال دور المؤسّسة التّشريعيّة ممَثَّلةً في نواب الشّعب مِن خلالِ برامجهم الّتي بها ومِن أجلها تبوّؤوا مقاعد في البرلمان، فكلا الحالتين تجعل مِن الظنّ أنّنا في حالة نظام حكمٍ شبه رئاسي -أو شبه برلماني- مجرّد شعارٍ لا حقيقة له؛ فلمّا كان تعيين أعضاء الحكومة مِن رئيس الجمهوريّة يتمّ باقتراح مِن رئيس الحكومة -كما في المادّة 102 مِن المشروع-، وأمكَن لرئيس الجمهوريّة أنْ يُعيّن رئيس الحكومة بعد استشارةِ الأغلبيّة البرلمانيّة، لم يبق تفسيرٌ لفكرة الأخذ ببرنامج الأغلبيّة على حساب برنامج الرّئيس والمنتخب لهما واحد! إلاّ الاتّجاه نحو إفراغ بعض المؤسّسات المنتخَبة مِن دورِها المرجو مِن الشّعب، وضرب قاعدة التّوازن بين السّلطات في الصّميم..؛ فأقترح تعديل المادّة بصياغتِها على النّحو التّالي:
"1. يُعيّنُ رئيس الجمهوريّة رئيس الحكومة بعد استشارةِ الأغلبيّةِ البرلمانيّة ويُكلّفه بإعداد برنامجٍ يتشاور في رسمِه خطوطِه رئيس الجمهوريّة والأغلبيّة البرلمانيّة".
 [25] مجلس الأمّة_
جاء في البند الأوّل مِن المادّة 119 تحت الفصل الثّالث ضِمن الباب الثّالث (تنظيم وفصل السّلطات):
"1. يُمارس السّلطة التّشريعيّة برلمان يتكوّن مِن غرفتين، وهما المجلس الشّعبي الوطنيّ ومجلس الأمّة". 
إنّما جاءت فكرة إنشاء مجلس الأمّة في ظرفٍ تاريخيٍّ معروف للاحتياط به مِن مصادمةِ المجلس التّشريعي لدستور البلد وقوانين الجمهوريّة؛ ولم يبقَ ثمّة مسوّغٌ للإبقاء عليه وهو بمثابة الضرّة أمام الغرفة الأولى، يُمارس نفس الدّور ويُكرّره مستنفدًا الأموال الكثيرة مِن غير طائل على حساب الخزينة العموميّة، مع إمكانيّة قيام المحكمة الدّستوريّة بدلاً عنه أحسن قيام بدورِه الرّقابي على التّشريعات الصّادرة عن المجلس الشّعبي الوطني، لا سيّما وهي تضمّ نخبةً مِن القضاة والخبراء في المجال القانوني ممّا يُؤهّلها لأنْ تكون الأولى والأجدر بنقل مهمّة الغرفة الثّانية إليها.
وعليه، لا تتطلّب المراجعة لأساسِ وجود هذا المجلس العديم الفائدة، إلاّ مجرّد توسيعٍ لصلاحيّات المحكمة الدّستوريّة في المراقبة لمطابقة القوانين للإتّفاقيات الدّولية ولدستوريّة الأوامر الّتي يصدرها رئيس الجمهورية، إلى مراقبة القوانين الصّادرة عن المجلس التّشريعي بما يجعلها مشمولة بالمادّة 192 ضمن الباب الرّابع (مؤسّسات الرّقابة) مِن المشروع؛ فأقترح تعديل هذا البند بما يُلغي دسترة مجلس الأمّة مع إعادة صياغة كلّ المواد المتضمّنة لذكرِه في هذا المشروع التّمهيدي تَبَعًا، وتكون الصّياغة هنا على النّحو التّالي:
"1. يُمارس السّلطة التّشريعيّة برلمان يتكوّن مِن غرفة واحدة، وهي المجلس الشّعبي الوطنيّ".
 [26] استقلاليّةُ القضاء_
جاء في المادّة 169 تحت الفصل الرّابع ضِمن الباب الثّالث (تنظيم وفصل السّلطات):
"1. القضاءُ مُستقلٌّ. ويضمن رئيس الجمهوريّة هذه الاستقلاليّة.
2. يتمتّع القُضاة بالاستقلاليّةِ عند ممارسةِ اختصاصاتِهم القضائيّة".
استقلاليّةُ القضاء مِن المطالبِ الّتي تبنّاها كلّ أصحاب القضايا العادلة في العالم، ودسترةُ عبارات "القضاء مُستقلّ" و"يتمتّع القُضاة بالاستقلاليّة" شيءٌ جميل؛ فإنّ الّذي يُفترضُ في القاضي الّذي تُمنح له هذه الميزة، هو أنْ يوضع بعيدًا عن الضّغوط والتحرّشات الّتي تُعيقه عن أداءِ واجبِه اتجاه أصحاب الحقوق عبر القضايا الّتي تُرفع إليه، وبالتّالي يحكمُ بما يجب الحكم به في الأشياء البيّنة المفصولةِ بالنّص، ويتحرّى الصّواب في المُشتَبِهات الّتي تستحقّ إعمال النّظر والاجتهاد؛ لكنّ هذه الاستقلاليّة أضحت سلاحًا ذو حدّين يتعسّف بها بعض القُضاة في حقّ المواطنين -للأسف-.
وعليه، لا يكفي أنْ يُترك القاضي إلى ضميرٍ قد يعدمه أصلاً! بل لابدّ مِن المرافقة لاستقلاليّته حتّى تَبلُغ مقصودَها فتكون ضمانًا لأصحاب الحقوق لا امتيازًا يركبه القاضي؛ وذلك مِن خلالِ إضافة نصوصٍ قانونيّةٍ تَستحدثُ هيئاتٍ رقابيّةٍ قضائيّةٍ -مثلاً- تُقيّد القاضي وتُعاقبه على القضايا البيّنة الواضحة الّتي يحكم فيها بخلافِ صريح النصّ؛ فأقترح على اللّجنة أن تأخذ هذه النّقطة بجديّةٍ كبيرةٍ عبر صياغةٍ مُجدِّدَةٍ للمادّةِ تسدّ الثّغرات وتغلق الباب على المتعسّفين في الجانب المُشار إليه.
 [27] نقلُ القاضي_
جاء في البند الأوّل مِن المادّة 178 تحت الفصل الرّابع ضِمن الباب الثّالث (تنظيم وفصل السّلطات):
"1. قاضي الحُكم غير قابل للنّقل".
النصُّ على عدمِ قابليّة نقل القاضي قد يكون حمايةً له مِن التّضييق الّذي قد يُمارَس في حقِّه تعسُّفًا، إذْ مسألة النّقل كثيرًا ما استُخدمتْ وسيلةً للتّهديد يُلوَّحُ بها في وجه القاضي إذا لم يخضع لأصحاب المصالح الضيّقة؛ لكنّها مِن جهةٍ أخرى قد تجعلُ مِن القاضي نفسه مُتعسّفًا بعد أقدميّةٍ ثبَّتتْه في موضِعِه ونسَجَت له شبكةَ معارف انتهى بالتّنسيقِ مع أصحابِها على حسابِ أصحاب الحقوق.
ومنه، أقولُ هنا نحو ما قلتُه في النّقطة 27 (استقلاليّةُ القضاء)، فلا يُمكنُ أن تتحوّل مسألة عدم قابليّة نقل القاضي مِن سياجٍ يحميه إلى أمانٍ يُطغيه! فأقترحُ حذف هذا البندِ لتعرّض ما بعده إلى موضوعِه بشيءٍ مِن التّوازن والاعتدال الّذي يضبط المسألة ولا يُلغيها مع حمايةٍ مضمونةٍ للقاضي، فتُصاغُ المادّة بعد حذفِ بندِها الأوّل كمايلي:
"1. لا يُنقل القاضي، ولا يُعزَل، كما لا يُمكن إيقافه عن العمل أو إعفاؤه أو تسليط عقوبة تأديبيّة عليه، إلاّ في الحالات وطبق الضّمانات الّتي يُحدّدها القانون وبقرارٍ مُعلّلٍ مِن المجلس الأعلى للقضاء.
2. يخطر القاضي المجلس الأعلى للقضاء في حالة تعرّضه لأيّ مساسٍ باستقلاليّته.
3. يُحدّد القانون العضوي كيفيّات تطبيق هذه المادّة".
 [28] أعضاء المحكمة الدّستوريّة_
جاء في البند الأوّل مِن المادّة 194 تحت الفصل الأوّل ضِمن الباب الرّابع (مؤسّسات الرّقابة):
"تتكوّن المحكمة الدّستوريّة مِن اثني عشر (12) عضوًا:
- أربعة (4) أعضاء مِن بينهم رئيس المحكمة يعيّنهم رئيس الجمهوريّة،
- اثنان (2) تنتخبهما المحكمة العليا، واثنان (2) ينتخبهما مجلس الدّولة،
- اثنان (2) يعيّنهما رئيس المجلس الشّعبيّ الوطنيّ، واثنان (2) يعيّنهما رئيس مجلس الأمّة، مِن بين الشّخصيات الّتي ليس لها الصّفة البرلمانيّة ولا العضويّة في حزب سياسي". 
بناءً على ما قد اقترحتُه في النّقطة 25 (مجلس الأمّة) ضِمن المُقترحات، مِن ضرورة المراجعة لأساسِ وجود مجلسِ الأمّة بإلغاءِ دسترتِه، مع توسيعٍ لصلاحيّات المحكمة الدّستوريّة تصل إلى مراقبة القوانين الصّادرة عن المجلس التّشريعي بما يجعلها البديل الأحسن لمجلس الأمّة؛ ومع دورِ المحكمة وتوسُّع صلاحيّتها، لزم التّفكير في دعمها بأعضاءٍ آخرين مِن ذوي الكفاءات العاليّة، تحتاج المحكمة الدّستوريّة إلى آرائِهم وخبراتِهم نظرًا لمهمّتها الّتي يُفترض أن تكون تتوسَّع.
ومنه، يُستحسن أنْ تضمّ تركيبة الأعضاء الجدد تنوّعًا في الاختصاصاتِ باعتبارِ اختلاف المواضيع الّتي تنظر فيها المحكمة الدّستوريّة -كما يُفترض-، فمنها ما يتّصل بالسّياسة وما يتّصل بالدّين وما يتّصل بالاقتصاد وما يتّصل بالصحّة.. ونحوه، ثمّ كرسيّ التخصّص في الشّريعة يحلّ محلّه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أو مَن يعيّنه المجلس -مثلا-.. وهكذا في بقيّة المجالات؛ فأقترحُ أنْ تُعاد صياغة المادّة على النّحو الّذي بيّنتُه بما تراه اللّجنة -مع احتسابِ حذف مجلس الأمّة مِن حصّة التّعيين-.
 [29] ضرورة الإنشاء لهيئةٍ عُليا تُعنى بالإفتاء_
جاء في المادّة 217 ضِمن الباب الخامس (المؤسّسات الاستشاريّة):
"يُؤسّس لدى رئيس الجمهوريّة مجلس إسلاميّ أعلى، يتولّى على الخصوص ما يأتي:
- الحثّ على الاجتهاد وترقيّته،
- إبداء الحكم الشّرعيّ فيما يُعرض عليه،
- رفع تقرير دوريّ عن نشاطِه إلى رئيس الجمهوريّة".
رغم تأكيدِ الدّستور في ديباجتِه على أنّ الجزائر أرض الإسلام، ونصِّه في مادّتِه الثّانية على أنّ الإسلام دين الدّولة -كما أقرّها هذا المشروع-، لم نرَ إلى اليوم هيئةً إسلاميّةً رسميّة تُعنى بالبحث والفتوى بما يرقى إلى مستوى طموح الشّعب الجزائري، على غرار المعمول به في عامّة الدّول الإسلاميّة حيث نجد الهيئة العليا للإفتاء أو مفتي الجمهوريّة ونحو هذا؛ ولا مجال للمقارنة بما هو موجودٌ في تلك البلاد مع المجلس الإسلامي الأعلى عندنا في الجزائر، لا مِن حيث الدّور ولا مِن حيث الأثر، لا سيّما منذ وفاة رئيسِه الرّاحل الشّيخ أحمد حمّاني -رحمه الله-؛ ويكفي هذا المجلس ضعفًا أنْ يتفوّق عليه المجلس العلمي للإفتاء -أو لجنة الفتوى الوزاريّة- أداءً وهو فرعٌ عن وزارة الشّؤون الدّينيّة والأوقاف؛ فضلا عن شعور المواطِن بارتباطِ هذا المجلس بالرّئاسة ارتباطًا أثّر في مصداقيّته، خاصّة بعدما أضحى المجلس هيئةً يقوم على رأسِها بعض الفلاسفة وإنْ كانت تضمّ بين أعضائِها ثلّةً مِن أفاضل العلماء المتخصّصين في الشّريعة.
وعليه، بناءً على عظمة المهمّة المقدّسة الّتي يُمكن أنْ تقوم بها هذه المؤسّسة الديّنية في بناء المجتمع المتماسك الأصيل وبذل الخير المُثمر الرّصين، وأثرهما في إحلال السّلام والاستقرار وإصلاح العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ اقتضَت حاجة الشّعب الجزائريّ المسلم وضرورة الدّولة بمؤسّساتِها إلى ذلك الدّور المأمول، إعادةَ بعث هيئة إسلاميّة تُناطُ بأمرِ الفتوى والبحث وإبداءِ الرّأي الشّرعي في العوارض والنّوازل، على أنْ تكون مستقلّةً كسائر الهيئات العليا وتُمنح قراراتُها طابع الرّسميّة كي يُستشهدُ بها في المؤسّسات والمحاكم ونحوها -لا سيما عند المنازعات-؛ فأقترح أنْ يُجدَّدَ بناءُ المجلس الإسلامي الأعلى -تسميّةً وأداءً- فيُطلقُ عليه اسم (المجلس الإسلامي الأعلى للبحوث الشّرعية والإفتاء)، وأنْ تُصاغ المادّة الّتي يورَدُ فيها على الشّكل التّالي:
"1. يُؤسّس مجلس إسلامي أعلى للبحوث الشّرعية والإفتاء، يتولّى على الخصوص ما يأتي:
- الحثّ على الاجتهاد وترقيّته،
- إبداء الحكم الشّرعيّ فيما يُعرض عليه،
- القيام بالبحوث والدّراسات الشّرعيّة الّتي تُفيدُ الأمّة وتهمّ الدّولة،
- رفع تقرير دوريّ عن نشاطِه إلى رئيس الجمهوريّة.
2. يُأخذُ برأيِ المجلِس مِن طرف مؤسّسات الدّولة والهيئات الرّسمية والوزارات فيما يصدر مِن تشريعاتٍ وقوانين وتنظيمات.
3. تكتسي قرارتُ المجلس وفتاويه طابع الرّسميّة ويُستشهدُ بها في المحاكم والمؤسّسات".
 [30] أعضاء المجلس الإسلاميّ الأعلى للبحوث الشّرعية والإفتاء_
جاء في المادّة 218 ضِمن الباب الخامس (المؤسّسات الاستشاريّة):
"يتكوّن المجلس الإسلاميّ الأعلى مِن خمسة عشر (15) عضوًا منهم الرّئيس، يعيّنهم رئيس الجمهوريّة مِن بين الكفاءات الوطنيّة العليا في مختلف العلوم".
مِن بين الأسباب الّتي أدّت إلى إضعاف المجلس الإسلامي الأعلى ومنعِه مِن أداء دوره المنشود؛ بُعد تركيبتِه في مجملِها عن مستوى المهمّة أو مجال التخصّص الشّرعي بناءً على تعيينٍ لم تُراعَ مِن خلالِه طبيعة المجلس ورسالتِه؛ وإلاّ فإنّ موقع غير المتخصِّص في العلومِ الشّرعية -مهما عَلَت كفاءتُه- في المجلس، كان ينبغي أنْ ينتهي عند صفة المُستشار الّذي يستعينُ به المفتي في تصوّرِ الأشياء قبل الحكم عليها -على حسب المجال-، لا يتعدّاه ليكون عضوًا في هيئةٍ تتنافى خصوصيّتها وميدانه.
وعليه، وجبت إعادة النّظر في نوع تركيبةِ المجلس وطريقة تعيينها، مع اعتبار التّسمية المُقترحَة في النّقطة السّابقة [29]؛ فأقترح أنْ تُصاغ المادّة على النّحو التّالي:
"يتكوّن المجلس الإسلامي الأعلى للبحوث الشّرعية والإفتاء مِن خمسة عشر (15) عضوًا منهم الرّئيس، يُعيّنهم رئيس الجمهوريّة باقتراحٍ مِن وزير الشّؤون الدّينيّة والأوقاف مِن بين الكفاءات الوطنيّة العليا في العلوم الإسلاميّة".
 [31] إدراجُ (تمازيغت) مادّةً صمّاء_
جاء في في البند الخامس مِن المادّة 234 ضِمن الباب السّادس (التّعديل الدّستوري):
"5. تمازيغت كلغة وطنيّة ورسميّة".
وردَ اقتراح هذه الفقرة في سياق سردِ المواد الّتي لا يمكن أنْ يمسّها تعديلٌ دستوريٌّ في المستقبل؛ وقد سبقَ أنْ بيّنتُ خطيئة دسترة تمازيغت لغةً رسميّة في الدّستور الحالي، بناءً على اعتباراتٍ شرحتُها في النّقطة [10] مِن مقترحاتي.
وعليه، إنْ خُطِّأ أصلُ دسترةِ مادّة تمازيغت لغةً وطنيّةً ورسميّةً، فمِن بابٍ أولى أنْ يُخطّأ اقتراحُ ترقيّتها إلى مادّة صمّاء! فأقترحُ حذف البند الخامس مِن هذه المادّة.
أخوكم محمّد بن حسين حدّاد الجزائري
الثّلاثاء 09 ذو القعدة 1441هـ،
الموافق 2020.06.30م