10.24.2020

مشروع دستور 2020م... بين إيجابيّات ينبغي أنْ تُشكر وتحفّظات يجب أنْ تُذكر الجزء الأوّل (المقدّمة)

 

مشروع دستور 2020م...

بين إيجابيّات ينبغي أنْ تُشكر وتحفّظات يجب أن تُذكر

الجزء الأوّل (المقدّمة)

إنّما بذل المخلصون مِن المحافظين والوطنيّين في هذا البلد ذلك الكمّ الهائل مِن المقترحات والملاحظات على المشروع التّمهيدي لتعديل الدّستور الّذي أشرفت عليه لجنة مِن الخبراء لصياغته؛ فارتكزت على بعض فقرات الدّيباجة وعددٍ مِن المواد -سواء الثّابت منها في دستور 2016م أو المُعدّل منها والمضاف في المشروع-؛ قد توزّعت فيها بين طلبِ تعديلها لاختلال معناها، أو تقييدها لفسادِ عمومها، أو تكميلِها لظهورِ نُقصانِها، أو حذفِها لعدم جدواها، رجاء أنْ تحظى بالنّظر في سُطورِها والاعتبار لمضمونِها بعد الثّقة بجديّة القائمين على اللّجنة في مطالعاتهِم لكلّ ما يصل إليهم مِن اقتراحات -كما أكّد بعض أعضائِها-؛ لم يدفعهم إلى بذلها إلاّ حبًّا لبلدهم وغيرةً عليه، وإعانةً على أمرٍ كبيرٍ ذي بالٍ وجبَ أنْ يضطلع به الجميع.

قد كنتُ -بفضل الله- مِن المشاركين ببعض النّقاط الّتي ضَممت تحت عناوينها جملةً مِن الملاحظات؛ عزمتُ على تسجيلِها وفيما سبقها مِن المشاركات الإغناءُ المُعَزَّز والإثراءُ المميَّز؛ لكنْ نزولاً عند رغبة بعض أساتذتي الفضلاء في أنْ أبدي رأيًا في بعض النّقاط أشارك به في مناقشة المُسَوَّدَة، مَهّدَ لي الطّريق نحو قراءةٍ معمَّقةٍ في أوراق المشروع التّمهيدي أردفتُها باستقراءِ العَديد مِن مناقشاتِ الدّكاترةِ والخبراء لنصوصِها؛ فكانت منّي تلك المشاركة المتواضعة بثمانية وثلاثين ورقةٍ ضمّت إحدى وثلاثين نقطة، حرصتُ فيها ألاّ أُكرّر ما بودِر به مِن اقتراحاتٍ تُغني عن الإضافةِ والزّيادةِ، إلاّ ما لم علمتُه منها فوقع ما عندي لها على سبيلِ المُوافقةِ غير المقصودة، أو علمتُه لكنّني قدّرتُ وجود الحاجة إلى الزّيادةِ والتّفصيل.

وإنّ وثيقةً خطيرة بمستوى الدّستور الّذي يُعتبر القانون الأسمى في كلّ بلد، كانت جديرةً بمنحِها وقتًا أطول مِن المُتاح لمُعالجتِها وإِعدادِها مِن كلّ الجوانب، لا سيما مع الحالة الصحيّة الّتي تمرّ بها البلاد ونحن نعلم آثارها على التّواصل والاجتماع الضّروريّ لمُناقشةِ موضوعٍ يَرتسمُ به مسارُ البلاد؛ بل مهما مُدّد في فترة تلقّي المُلاحظات والمُقترحات مِن طرف السيّد رئيس الجمهوريّة المسؤول الأوّل عن المشروع التّمهيديّ، لم أرَها كافيّةً -في تقديري وتقدير الكثير- للطّمع في الخروج بنسخةِ مشروعِ دستورٍ نهائيّةٍ تستجيب لتطلّعات الأمّة، بعد استكمال التّعديل والإتقان وإحسان الشّرح والبيان، رغم ما احتوت عليه المُسَوَّدَة مِن جملةٍ مِن الإضافات الإيجابيّة؛ ليس بسببِ ظنٍّ بقصورِ اللّجنة الّتي تضمّ تركيبتُها ثلّةً مِن كبار الخبراء والأساتذة في القانون الدّستوري الّذين كُلّفوا بصياغةٍ تقنيّةٍ لمُسَوَّدة -لا غير-، وإنّما لأنّ الظّروف غير مُهيّئة والشّروط غير مُجتمعة للاطمِئنان بأنّنا سنتّجه نحو الاستفتاء بمشروعِ دُستورٍ يكون على مستوى رغبةِ الرّئيس وطموح الشّعب؛ بل بقدرٍ مِن وضوح الصّورة لبعض المواد الّتي غُفل عن إدراكها أو أسيء فهمها؛ لنعود إلى نقطة البداية بعد رفضِه المُحتمل ومنها التّضييع لمزيدٍ مِن الوقت.

وإنّما الرّغبة الّتي كان يُرجى تحقيقها على يد رئيس الجمهوريّة، أنْ تتّسع مدّةُ المناقشات وإبداء المُقترحات إلى ما بعد تشريعيّاتٍ مُسبقةٍ تُشارك فيها أحزابٌ تَحكي نبض الأمّة -بعد أنْ يُمنح الاعتماد لمَن لا يزال منها قيد التّأسيس-؛ وعندها يبدأ النّقاش الجدّي المُكتمل الأركان في ورشةٍ تجمعُ تحت سقفِها -إلى جانب لجنة المشروع التّمهيدي الّتي تتصدّره وتكون لها فيه الكلمة الأخيرة مِن جهة الصّياغة- العلماء الشّرعيين والخبراء القانونيّين والفاعِلين السّياسيين والمتخصّصين في شتّى الميادين، وبالتّالي كان مِن الممكن أنْ نضع حجر الأساس لنُسخةٍ نهائيّةٍ مِن مشروعِ دستورٍ يطمئنّ له الجميع، ثمّ يُنطلق به إلى المجلسِ التّشريعيّ أين يبدي فيه ممثّلو الشّعب آراءهم، ثمّ تنتهي حلقة المشروع عند استفتاءٍ شعبيٍّ نأمل منه في الخروج بدستورٍ يرسم الخطوط العريضة للجزائر الجديدة الوفيّة للأصالة، الحامية للحقوق، الضّامنة للعدالة، الواعدةِ بغدٍ مُشرق.

ثمّ قد اطّلعتُ على مشروع الدّستور في نسختِه النّهائية، فألفيتُه مشروعًا قد حوى إيجابيّاتٍ غير مخيِّبةٍ للآمال كما يتصوّره الكثير وينشرُه نشرًا زرع خوفًا وأوقع ارتباكًا في النّاس! بل الحقّ يدفعني -رغم تحفّظي على جملةٍ مِن نصوص المشروعِ وصياغتِها- أنْ أكون منصفًا فأقول: لقد حظيت مقترحاتُ الغيورين على الجزائر المرسلة إلى لجنة صياغةِ الدّستور في مرحلةِ مشروعه التّمهيدي، باستجابةٍ ظاهرة في أوراق المشروع ضِمن نسخته النّهائيّة؛ وأثمر لقاء رئيس الجمهوريّة مع ثلّةٍ مِن نُخب البلد الّتي تقدّمت بمبادرة قيّمة ممّيزة لتعديل الدّستور باسم (مبادرة القوى الوطنيّة للإصلاح) نتائج بادية ضمن سطور النّسخة، ذلك اللّقاء الّذي أعرب الكثير ممّن حضره عن ارتياحِهم لتجاوبِ الرّئيس مع المبادرة وشعورهم بسَيرِه على خطّها -وقد تحدّثتُ شخصيّا مع بعض مَن استقبلهم الرّئيس ضِمن الوفد في هذا الموضوع-.

وإنّما كان مردّ هذا الرّفض الظّاهر على المستويين النّخبوي والشّعبي لمشروع الدّستور في تقديري وبحسب اطّلاعي على شتّى المواقف وتأمّلي فيها، إلى ما يلي:

أوّلا: عدم تجاوز الكثير لمضمون مشروع الدّستور في مرحلته التّمهيديّة مِن خلال موقفه مِن المشروع المُزمع الاستفتاء عليه! رغم ما طرأ على نصوصِه مِن تعديلاتٍ كثيرةٍ تنوّعت بين الحذف والإضافة والتّقويم و التّقييد والتّفسير في نسختِه النّهائيّة.

ثانيا: الانسياقُ خلفَ المواقف الرّافضة له بشيءٍ مِن المبالغَةِ وعدم الإنصاف، دون أدنى اطّلاعٍ على مواد المشروع الدّستوري -للأسف-.

ثالثًا: سوء فهمِ بعض النّصوص؛ لضعفِ الإدراك أو بترٍ مِن السّياق.

رابعًا: التّشبيهُ على النّاس وتحذيرُهم مِن أشياءٍ وهميّةٍ لا حقيقةَ لها عند التأمّل والنّظر؛ كدعوى البعض أنّ هدف هذا المشروع الدّستوري هو محاربةُ الإسلام وتقسيم البلاد!

خامسًا: الخطأ في الموازنة بين الإيجابيات والسّلبيات، والتّرجيح بين المصالح والمفاسد، والإخلال بالتّفريق بين ما يُحذر منه وما يُتحفّظ عليه.

سادسًا: انتهاج البعض لمسلك المثاليّة في طرحِه لمُقترحاتِ التّعديل؛ فلا يَتصوّرُ إلاّ فسادًا في مشروعِ دستورٍ لم يتضمّن تعديلاً بناءً على مُقترحاتِه كلِّها أو بعضِها!

سابعًا: بناء المواقف على أسسٍ غير صحيحة؛ كالشّعبوية والعصبيّة والمعارضة المطلقة لكلِّ ما يصدر مِن السّلطة!

ثامنًا: إشاعةُ القصّة الخياليّة الّتي لقيت انتشارًا واسعًا، والّتي مفادها: إنّما أوجِدَ مشروعُ الدّستور ليتمّ رفضه شعبيّا، ومِن ثمّ تُعاد صياغتُه مجدّدًا على أسسٍ أسلم! ويصرّ المشيعُون لهذا الوهم على نسبةِ المشروعِ إلى رئيسِ لجنة صياغة المشروع التّمهيدي (لعرابة)، وليس لرئيسِ الجمهوريّة الّذي تبنّاه ودافع عنه ودعى إلى التّصويتِ عليه في أكثر مِن مناسبة!

تاسعًا: تداولُ الفكرةِ المكذوبةِ الّتي ارتسمت في أذهان الكثيرِ مِن المغفَّلين؛ أنّ الجيش الوطني الشّعبي –وعلى رأسه قائد أركانِه- على خُلْفٍ مع رئيسِ الجمهوريّة حول مشروع الدّستور وأنّه مُنحازٌ إلى الجبهةِ الرّافضين له!

عاشرًا: تربّصُ الشّرذمةِ وسعيُهم في تشكيك الأمّة الّتي اختارت المسار الدّستوري عبر الانتخابات الرّئاسية بعد حراكها الأصيل، في صحّةِ خيارِها ابتداءً وفي مصداقيّةِ رئيسِ الجمهوريّة وكلّ مَن حوله؛ قصدَ إرجاعِها إلى نقطةِ الصّفر ومِن ثمَّ إدخال البلد في نفقٍ مظلمٍ بدعوى عدم تحقّق أيّ شيء بعد الحراك، وأنّ خيبة الأمل في مشروع الدّستور هي خير دليل!

أخوكم محمّد بن حسين حدّاد الجزائري

ليلة الأحد 08 ربيع الأوّل 1442هـ،

الموافق 2020.10.24م

الأجزاء: [01] [02] [03] [04] [05]

نُشرت المادّة في ما يلي:  المدوّنة الشّخصيّة | حسابي على الفيسبوك | حسابي على التويتر