10.26.2020

مشروع دستور 2020م... بين إيجابيّات ينبغي أنْ تُشكر وتحفّظات يجب أن تُذكر الجزء الثّاني (إيجابيّات ينبغي أنْ تُشكر)

 

مشروع دستور 2020م...

بين إيجابيّات ينبغي أنْ تُشكر وتحفّظات يجب أن تُذكر

الجزء الثّاني (إيجابيّات ينبغي أنْ تُشكر)



ألفيتُ مشروع الدّستور في نسختِه النّهائية -كما ذكرتُ في المقدّمة- مشروعًا قد حوى إيجابيّاتٍ غير مخيّبةٍ للآمال كما يتصوّره الكثير؛ إيجابيّاتٌ تُعتبر ثمرة تلك المُقترحات المرسلة إلى لجنة صياغة الدّستور في مرحلة مشروعِه التّمهيدي الّتي حظيت باستجابةٍ ظاهرة في أوراق المشروع مِن خلال نسخته النّهائيّة؛ ونتيجة ذلك اللّقاء الموفَّق الّذي جمع رئيس الجمهوريّة مع ثلّةٍ مِن نُخب البلد الّتي تقدّمت بتلك المبادرة التّاريخيّة القيّمة -كما أشرتُ قبلاً-...

إنّها ثمرةٌ تعكِسُ -أيضًا- إرادةً صادقةً لدى مَن تولّى زمام الأمورِ للانطلاقِ نحو جزائر جديدةٍ تتجسّد مِن خلالها وعود الرّئيس بإنجازِ إصلاحاتٍ عميقة على شتّى المستويات؛ يكون منطلقُها أرضيّة منضومةٍ قانونيّة تستأصل الفساد وتضمن الحريّات وتعمل على أخلقة الحياة العامّة وتعتبر بيان أوّل نوفمبر وثيقةً مؤسّسة للدّولة الجزائرية.

وممّا تضمّنه المشروع مِن الإيجابيات، تلك التّعديلات والإضافات الجديرة بتثمينِها وشكرِ كلٍّ مِن مُقترحِيها وواضعِيها؛ والّتي منها:

01/ دسترة بيان أوّل نوفمبر واعتبارِه وثيقةً مؤسِّسة:

فقد جاء في الفقرة الرّابعة مِن الصّفحة 4 ضمن الدّيباجة: مايلي: "وكان (أوّل نوفمبر 1954 وبيانه المؤسّس) نقطتا تحوّل فاصلة في تقرير مصيرها وتتويجا عظيما لمقاومة ضروس...".

وهذا يُعتبر تطوّرًا ذا خطوة كبيرة في تاريخ صياغة دستورِ الجزائر يحدث لأوّل مرّة؛ وبه ننتقل بالحديث عن بيان أوّل نوفمبر مِن كونه وثيقةً تاريخيّة نفتخر بها، إلى وثيقةٍ رسميّةٍ نحتكم إليها؛ باعتباره الحجر الأساس الّذي تقوم عليه الدّولة الجزائريّة..؛إنّه البيان الّذي حال الشّيوعيون والعلمانيّون دون دسترته منذ الاستقلال، بحجّة كونِه وثيقة إعلان حربٍ لا تنهض لتصلح أنْ تكون وثيقةَ تأسيسٍ لدولةس حديثة..؛ وإنّني أقول: لو لم يكن مِن التّعديلات والإضافات في هذا المشروع الدّستوري إلاّ دسترة ذلك البيان التّاريخي، لكفى بها نعمةً تستحقّ الشّكر والتّثمين!

02/ دسترة الحَراك الشّعبي الأصيل الّذي انطلق في 22 فبراير 2019م:

فقد جاء في الفقرة الثّالثة مِن الصّفحة 5 ضمن الدّيباجة: مايلي: "يُعبّرُ الشّعب عن حرصه لترجمة طموحاته في هذا الدّستور بإحداث تحوّلات اجتماعيّة وسياسية عميقةٍ مِن أجل بناء جزائر جديدة، طالب بها سلميّا مِن خلال (الحراك الشّعبي الأصيل الّذي انطلق في 22 فبراير 2019)".

وإنّ دسترةَ تلك الهبّه الشّعبية العظيمةِ الّتي كانت فُرقانًا تاريخيًّا أُعجِبَ به العالَم وشهد عليه الجميع، والّتي كان عنوانها الجامع وخطّها اللاّمع: (مِن أجل جزائر جديدةٍ وفيّةٍ لماضيها الأصيل، مُصحّحةٍ لحاضرِها العَليل، مُتطلّعةٍ لمستقبلِها الجميل)؛ معنىً شملت تفاصيله شتّى الميادين وبلغت أصداؤه مختلف المستويات..؛ لهو أعظم تدوينٍ يُمكن أنْ يحظى به الحَراك الأصيل مِن حيث القيمة التّوثيقيّة والثّمرة العمليّة.

03/ دسترة العمل للوقاية مِن الفساد ومكافحته:

 فقد جاء في الفقرة السّادسة مِن الصّفحة 5 ضمن الدّيباجة: مايلي: "تُعبّر الجزائر عن تمسّكها بالعمل للوقاية مِن الفساد ومكافحته وفقا للاتّفاقيات الدّولية الّتي صادقت عليها...".

ومِن تلك الاتّفاقيات: اتّفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد، اتّفاقية الاتّحاد اإفريقي لمكافحة الفساد، الاتّفاقية العربيّة لمكافحة الفساد..؛ وتهدف تلك الاتّفاقيات كما جاء في عموم مضامينها إلى تعزيز التّدابير الرّامية إلى الوقاية مِن الفساد ومكافحته وكشفه بكلّ أشكاله، وسائر الجرائم المتّصلة به وملاحقة مرتكبيها؛ تعزيز التّعاون على الوقاية مِن الفساد ومكافحته وكشفه واسترداد الموجودات؛ تشجيع الأفراد ومؤسّسات المجتمع المدني على المشاركة الفعّالة في منع الفساد ومكافحته؛ ترويج وتدعيم التّدابير الرّامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع؛ ترويج وتسيير ودعم التّعاون الدّولي والمساعدة التّقنية في مجال منع ومكافحة الفساد، بما في ذلك مجال استرداد الموجودات؛ تعزيز النّزاهة والمساءلة لإدارة سليمة للشّؤون العموميّة والممتلكات العموميّة؛ تشجيع وتعزيز قيام الدّول الأطراف بإنشاء الآليات اللاّزمة لمنع الفساد وضبطه والمعاقبة والقضاء عليه وعلى الجرائم ذات الصّلة، في القطاعين العام والخاص؛ تعزيز وتسهيل وتنظيم التّعاون بين الدّول الأطراف من أجل ضمان فعالية التّدابير والإجراءات الخاصّة بمنع الفساد والجرائم ذات الصّلة وضبطها والقضاء عليها؛ تنسيق ومواءمة السّياسات والتّشريعات بين الدّول الأطراف لأغراض منع الفساد وضبطه ومعاقبة أهله والقضاء عليه؛ تعزيز التّنمية الاجتماعيّة والاقتصاديّة عن طريق إزالة العقبات الّتي تحول دون التمتّع بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافية وكذلك الحقوق المدنيّة والسّياسية؛ وتوفير الظّروف المناسبة لتعزيز الشّفافية والمساءلة في إدارة الشّؤون العامّة.

04/ دسترة الفصل بين السّلطات والتّوازن بينها: 

فقد جاء في الفقرة السّادسة مِن الصّفحة 8 ضمن الدّيباجة: مايلي: "يكفل الدّستور الفصل بين السّلطات والتّوازن بينها...".

وإنّ مبدأ التّوازن بين السّلطات -المضاف في مشروع- بعد تأكيد الفصل بينها؛ يُعدّ أحسن أرضيّةٍ لدفع الاستفراد بالسّلطات أو تصادمها، بتحقيق مبدأ التّوازن بينها وتناسقِها قصد إيجاد تأثير متبادل؛ مِن خلال تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية مثلا -خاصّة ما تعلّق منها بالجانب التشريعي-، والتّعزيز بالمقابل للسّلطة التّشريعية ممثلةً في البرلمان بصلاحياتٍ رقابية..؛ ويظهر هذا جليّا في مُختلف مواد المشروع.

05/ دسترةُ الشّفافية في تسيير الشّؤون العموميّة:

فقد جاء في البند الخامس مِن المادّة 9 -المعدّلة- الّتي تنصّ على أنّ الشّعب يختار مؤسّسات لنفسه: "ضمان الشّفافية في تسيير الشّؤون العموميّة".

وهذا يدخل ضمن أبرز ما أكّد عليه رئيس الجمهوريّة -السيّد عبد المجيد تبّون- في إحدى لقاءاته مع الصّحافة الجزائرية؛ حين تحدّث عن ضرورة محاربة المال الفاسد وإضفاء الشّفافية في التّسيير مِن القاعدة إلى القمّة -بما فيها الرّئيس-؛ بل قال في هذا: "لا يزعجني أن تقوم المفتّشية العامّة للماليّة بإجراء تفتيش على مستوى رئاسة الجمهوريّة، باعتباره أمرا طبيعيا.."، مِن منطلق أنّ الجميع "يعيش في جمهوريّةٍ وليس في مملكة، وعلى الكلّ أنْ يخضع للمحاسبة داخل هذه الجمهوريّة في ظلّ احترام القانون".

06/ تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشّؤون العموميّة:

جاء في المادّة 10 -وهي مادّة جديدة-: "تسهر الدّولة على تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشّؤون العموميّة".

ومثل هذه المادّة جديرة بتمكين الشّعب عبر جمعيّاته ومنظّماته، مِن الوقوف على شؤونه والتّضييق على الممارسات المتسلّطة الّتي كانت تتغذّى بالسّرية وانعدام الشّفافية.

07/ تسليط العقوبة على استغلال النّفوذ:

جاء في المادّة 25 -المعدّلة-: "يعاقب القانون على استغلال النّفوذ والتعسّف في استعمال السّلطة".

ولا شكّ أنّ استغلال النّفوذ هو شكلٌ مِن أشكال الفساد الإداري إلى جانب التعسّف في استعمال السّلطة؛ بل هو مِن أكبر أبوابها! وهذا الاستغلال هو نوعٌ مِن أنواع الاعتداء على الوظيفة العامّة والمال العام الّذي عُني القانونيون في دول العالم بتشريع النّصوص القانونيّة مِن أجل محاربتِه والحدّ منه؛ فجاء التّنصيص عليه في مشروع الدّستور لهذا الغرض.

08/ إلزام الإدارة بردّ معلَّل بشأن الطّلبات المستوجبةِ لإصدارِ قرارٍ إداري:

جاء في المادّة 26 -المعدّلة- ضمن فقرتها الثّالثة: "تُلزَم الإدارة بردٍّ معلَّل في أجل معقول بشأن الطّلبات الّتي تستوجب إصدار قرارٍ إداري".

يسعى وضعُ هذه المادّة لجعلِ حدٍّ لمعاناتِ المواطنين مع مراسلاتهِم الإداريّة الّتي لا تأخذُ حقًّا ولا تتلقّى جوابًا..؛ فتُلزم الإدارة مِن خلال هذا النصّ الدّستوري بالردّ على طلبات النّاس بكتاباتٍ معلَّلةٍ في أجلٍ معقول.

09/ ضمان التّساوي بين الجميع في الحصول على الخدمات العموميّة:

جاء في المادّة 27 -وهي مادّة جديدة- ضِمن فقرتها الأولى: "تضمن المرافق العموميّة لكلّ مرتفقٍ التّساوي في الحصول على الخدمات، وبدون تمييز".

وفي المادّة التّنصيص على المساواة بين المواطنين في تلقّي الخدمات العموميّة دون تمييز، فتمنع هذه المادّة أيّ شكلٍ مِن أشكال الإقصاء لهذا الحقّ باسم الجهويّة أو الطبقيّة ونحو هذا.

10/ عدم تقييد الحقوق والحريّات إلاّ بأسبابٍ قانونيّةٍ مرتبطةٍ بحفظ النّظام العام والأمن وحماية الثّوابت الوطنية:

جاء في المادّة 34 -مادّة جديدة- ضِمن فقرتها الثّانية: "لا يُمكن تقييد الحقوق والحريّات والضّمانات إلاّ بموجب قانون، ولأسباب مرتبطة بحفظ النّظام العام والأمن، وحماية الثّوابت الوطنيّة وكذا تلك الضّروريّة لحماية حقوق وحريّات أخرى يكرّسها الدّستور".

فيها تأكيدٌ على عدم تقييد الحقوق والحريّات مِن جهة، ورسمٌ لخطٍّ أحمر أمام الممارسين لتلك الحقوق والحريّات يمنعهم مِن تجاوز القانون والتعدّي على الثّوابت؛ وهذا أمرٌ جيّد في ضبط الحقوق والحريّات بما يتماشى مع مبادئِنا ولا يُعارضها.

 11/ الإلزام بإعلام كلّ شخصٍ موقوفٍ بأسباب توقيفه:

جاء في المادّة 44 -المعدّلة- ضمن فقرتها الثّانية: "يتعيّن إعلام كلّ شخص موقوف بأسباب توقيفه".

إضافة ضروريّة لمنع تلك التّوقيفات التعسّفية الّتي يجهل ضحاياها وعوائلهم أسبابها؛ وبالتّالي تدفع التّأويلات الّتي تزرع الاضطراب إزاء التّوقيف المجهول السّبب، وتيسّر للموقوف التهيّؤ للدّفاع عن نفسِه ورسم مسارِه القضائي.

12/ الإلزام بتعويض كلّ شخص كان محلّ حبسٍ مؤقّت تعسّفي:

جاء في المادّة 46 -المعدّلة- ضمن فقرتها الأولى: "لكلّ شخصٍ كان محلّ توقيف أو حبس مؤقّت تعسّفيين أو خطأ قضائي، الحقّ في التّعويض".

تمثّلت الإضافة هنا في (الحقّ في التّعويض بسبب حبس مؤقّت تعسّفي)؛ وهي مُرتكَز قانوني صريح يُنصف كلّ شخصٍ تمّ التّجاوز في حقّه بحبسٍ مؤقّتٍ تعدّى مدّته المحدَّدة قانونا.

13/ تشجيع الدّولة للجمعيات ذات النّفع العام:

جاء في المادّة 53 -المعدّلة- ضمن الفقرة الثّانية: "تُشجّع الدّولة الجمعيات ذات المنفعة العامّة".

تتجلّى أهميّة الفقرة المُضافة في المادّة؛ عند معرفة أهميّة الجمعيّات الّتي تُعنى بالنّفع العام ودورها المحوري في المجتمعات على مختلف الأصعدة..، فكانت مستحقّةً لتشجيع الدّولة بما يزيدها مِن فعَالية دورها، فيستفيد المجتمع مِن نشاطاتِها وخدماتِها.

14/ منع التّوقيف لأيّ نشاطٍ إعلاميٍّ إلاّ بمقتضى قرارٍ قضائيّ:

جاء في المادّة 54 -المعدّلة- ضمن بندها الثّاني: "لا يُمكن توقيف نشاط الصّحف والنّشريات والقنوات التّلفزيونية والإذاعيّة والمواقع والصّحف الإلكترونيّة، إلاّ بمقتضى قرار قضائيّ".

هي مادّةٌ كفيلةٌ بدفعِ البغي عن مختلف الوسائل الإعلاميّة الّتي اعتدنا في الماضي وقوع التّوقيفات الفوقيّة التعسّفية في حقّها، لمجرّد إذاعة رأيٍ أو نشر فكرةٍ لم ترق للباغي عليها!

15/ التّأكيدُ على الحقِّ النّقابيّ وضمان ممارستِه بكلّ حريّةٍ في إطار القانون:

جاء في المادّة 69 -المعدّلة- ضمن الفقرة الأولى: "الحقّ النّقابي مضمون، ويُمارس بكلّ حريةٍ في إطار القانون".

وردَ أصل هذه المادّة في الدّستور السّابق باعتبار الحقّ النّقابي مُعترف به لجميع المواطنين، فجاء مشروع التّعديل الجديد بضمان هذا الحقّ وممارستِه بكلّ حريّةٍ في إطار القانون.

16/ إلزام الأولياء بضمان تربية أبنائِهم والمعاقبة على استغلالهم والتخلّي عنهم:

جاء في المادّة 71 -المعدّلة- ضمن الفقرتين الرّابعة والسّادسة: "تحت طائلة المتابعات الجزائيّة، يُلزَم الأولياء بضمان تربية أبنائِهم.

يعاقب القانون كلّ أشكال العنف ضدّ الأطفال واستغلالهم والتخلّي عنهم".

وتُمثّل هذه المادّة خطوة إصلاحيّة في حقّ الطّفل ترتبط مباشرةً بالأسرةِ والمجتمع، تحمي الطّفل مِن ظاهرة الإهمالِ له مِن طرف الأولياء والتعدّي عليه.

17/ تقييد حريّة الإبداع الفكري بعدم المساس بكرامةِ الأشخاص أو بالمصالح العليا للأمّة أو بالقيّم والثّوابت الوطنيّة:

جاء في المادّة 74 -المعدّلة- ضمن الفقرة الثّانية: "لا يمكن تقييد هذه الحريّة إلاّ عند المساس بكرامةِ الأشخاص أو بالمصالح العليا للأمّة أو القيّم والثّوابت الوطنيّة".

علاوةً على ضمان هذه المادّة لحريّة الإبداع الفكري الضّرورية لكلّ مجتمعٍ يسعى إلى التطوّر والرُقيّ، هي تُقيّد ذلك بما لا يعود على النّاس بالضّرر في كرامتِهم ومصالِحهم وقيمهم وثوابتهم الوطنيّة..؛ على غرار الكثير مِن المواد الواردة في ضمان الحريّات مع تقييدها بهذا النّحو مِن القيود، وهذا يُؤكّد على التوجّه المحافظ لهذا المشروع الدّستوري على خلاف ما يتصوّره الكثير..

18/ إتاحة الحقّ لكلّ مواطن في تقديم ملتمسات إلى الإدارة مع الإلزام لهذه الأخيرة بالردّ عليها:

جاء في المادّة 77 -وهي مادّة جديدة-: "لكلّ مواطنٍ الحقّ في تقديم ملتمساتٍ إلى الإدارة بشكل فردي أو جماعي، لطرح انشغالات تتعلّق بالمصلحة العامّة أو بتصرّفاتٍ ماسّة بحقوقه الأساسيّة.

يتعيّن على الإدارة المعنيّة الردّ على الملتمسات في أجلٍ معقول".

إضافةٌ دستوريّة ضروريّة في تيسير تواصل المواطِن مع الإدارة وخلق التّقارب بينه وبينها في إطار طرح الانشغالات العامّة والخاصّة.

19/ تحديد العهدات الرّئاسية بعهدتين متتاليتين أو منفصلتين:

جاء في المادّة 88 -المعدّلة- ضمن الفقرة الثّانية: "لا يُمكن لأحد ممارسة أكثر مِن عهدتين متتاليّتين أو منفصلتين...".

تعديلٌ يقع ضمن التّعديلات الجوهريّة الّتي جاء بها المشروع الدّستوري؛ حيث جاء استجابةً لمطالب كثيرةٍ بضرورة تحديدِ العهدات الرّئاسية عند العهدتين -لا تتجاوز كلٌّ منهما الخمس سنوات-، لا سيّما بعد الّذي انتهت إليه الجزائر مِن الفساد بسبب فتح العهدات وتمديدها..؛ كما أحسن المشروع صنعا إذْ أدرجَ المادّة ضمن المواد الصمّاء الّتي لا يمكن أن يمسّها أيّ تعديلٍ دستوري مستقبلاً -كما في المادّة 223-.

20/ العدولُ عن مُقترح حقّ الرّئيس في تعيين نائبٍ له يُفوّض له البعض من صلاحيّاته:

مُقترحٌ أورِد في البند السّادس مِن المادّة 95 ضِمن المشروع التّمهيدي لتعديل الدّستور: "يُمكن أنْ يُعيّن نائبًا للرّئيس وينهي مهامه، ويُمكن أنْ يُفوّض له البعض مِن صلاحيّاته...".

فإنّما يقوم رئيس الجمهوريّة على رأس السّلطة التّنفيذيّة بناءً على انتخابٍ شعبيٍّ وضع النّاس من خلالِه ثقتهم فيه، وهي ثقةٌ لا تقبل التّفويض للغير لا سيما أمام تلك المهام الخطيرة والصّلاحيات الحسّاسة الّتي قد يُساء استخدامُها مِن طرف النّائب في غيرِ مراد المَنوب عنه وعلى غير طموح المنتخبين؛ وقد مرّت بنا مِن التّجارب ما يشبه التّفويض بالنّيابة فرأينا آثارها الكارثيّة على أمنِ البلد واستِقرارِه -والسّعيد مَن وُعظ بغيرِه-..؛ فكان الأسلم لرئيس الجمهوريّة والأبرَأ لذمّتِه، هو الحِفاظ على الثّقة الّتي وضعها فيه الشّعب عبر تفويضٍ لا يقبل النّقل إلاّ باختيارٍ مستقلّ؛ فحُمد هذا العدولُ عن مُقترحِ فكرة نائب الرّئيس.

21/ استحداث مادّة جديدة تضع حلاّ منصفا لإشكاليّة الأحقّ بإجراء التّعيين الحكومي:

حيث جاء في المادّة 103 -الجديدة-: "يقود الحكومة وزير أوّل في حال أسفرت الانتخابات التّشريعيّة عن أغلبية رئاسيّة.

يقود الحكومة رئيس حكومة في حال أسفرت الانتخابات التّشريعيّة عن أغلبية برلمانيّة".

جاءت هذه المادّة لتكون حلاّ عادلاً للإشكاليّة المشار إليها؛ مادام رئيس الجمهوريّة يُنتخبُ مِن الشّعب بناءً على برنامجٍ عرضه عليه، ومادامت الأغلبيّة البرلمانيّة يختارها الشّعب لتَمثيلِه في المؤسّسة التّشريعيّة على أساس برنامجِها أيضًا؛ والصّورة التّطبيقية لهذه المادّة على واقعنا، هو أنّه -بلا شكّ- لا يُنصّب المترشّح للرّئاسة رئيسا للبلاد إلاّ بأغلبية تُسمّى أغلبية رئاسية؛ فإن أفرزت الانتخابات التّشريعية -بعد ذلك- أغلبيةً برلمانية لحزب ما، كان الأحقّ بتشكيل الحكومة هو الحزب الفائز بالأغلبية؛ أمّا إنْ لم تُفرز التّشريعيات أغلبيّةً حزبيةً وإنّما تنوّعًا لأحزابٍ وكتلٍ لم يحظَ كلٌّ منها بأكثر مِن نصف البرلمان، هنا كان الأحقّ بتشكيل الحكومة هو الرّئيس استصحابا لأغلبيّته الّتي أوصلته إلى الرّئاسة -ولا علاقة للأحزاب الموالية للرّئيس مع تحديد الأغلبية الرّئاسية لإمكانية ترشّح المترشّح للرّئاسيات حرّا-.

22/ دسترة تحديد العهدات البرلمانيّة بعهدتين متتاليتين أو منفصلتين:

جاء في المادّة 122 -المعدّلة- ضمن الفقرة السّادسة: "لا يُمكن لأحد ممارسة أكثر مِن عهدتين برلمانيتين منفصلتين أو متتاليتين".

نصٌّ يسمح بالتّداول على مقاعد التّمثيل الشّعبي وتجديد الطّاقات والكفاءات تحت قبّة البرلمان، ويمنع تغوّل النّائب بسبب طول مكثه عبر عهداتٍ ممتدّة في المجلس التّشريعي.

23/ تحديد تمتّع عضو البرلمان بالحصانة ضِمن الأعمال المرتبطة بممارسة مهامه لا غير:

جاء في المادّة 129 -المعدّلة-: "يتمتّع عضو البرلمان بالحصانة بالنّسبة للأعمال المرتبطة بممارسة مهامه كما هي محدّدة في الدّستور".

لتضيق دائرة الحصانة البرلمانيّة على النّواب فتكون محصورة في ما ارتبط مِن الأعمال بممارسة مهامِهم فقط؛ فيُمكن أنْ يكون عضو البرلمان محلّ متابعةٍ قضائيّة عن الأعمال غير المرتبطة بمهامه البرلمانيّة -كما تُؤكّده المادّة 130 مِن المشروع- عكس ما كان في الماضي.

24/ استثناء حلات عدم قابلية نقل قاضي الحكم:

جاء في المادّة 172 -المعدّلة- ضِمن أوّل فقرتيها: "قاضي الحكم غير قابل للنّقل إلاّ ضمن الشّروط المحدّدة في الفقرة الثّانية أدناه.

لا يُعزل القاضي، ولا يُمكن إيقافه عن العمل أو إعفاؤه أو تسليط عقوبة تأديبيّة عليه أثناء ممارسة مهامه أو بمناسبتها، إلاّ في الحالات وطبق الضّمانات الّتي يحدّدها القانون بموجب قرار معلّل مِن المجلس الأعلى للقضاء".

فقد جاء التّنصيص على موضوع عدم نقل القاضي مطلقا في إحدى فقرات مادّةٍ أوردها المشروع التّمهيدي؛ وهي هنا مُقَيَّدة باستثناءاتٍ قانونيّة وبصياغةٍ أفضل ممّا صيغت به في الدّستور السّابق؛ ذلك أنّ -كما ذكرتُ ضمن مقترحاتي وملاحظاتي المرسَلة إلى لجنة المشروع التّمهيدي-: "النصّ على عدمِ قابليّة نقل القاضي؛ قد يكون حمايةً له مِن التّضييق الّذي يُمارَس في حقِّه تعسُّفًا، إذْ مسألة النّقل كثيرًا ما استُخدمتْ وسيلةَ تهديدٍ يُلوَّحُ بها في وجه القاضي إذا لم يخضع لأصحاب المصالح الضيّقة؛ لكنّها مِن جهةٍ أخرى قد تجعلُ مِن القاضي نفسه مُتعسّفًا بعد أقدميّةٍ ثبَّتتْه في موضِعِه ونسَجَت له شبكةَ معارف انتهى بها نحو التّنسيقِ مع أصحابِها على حسابِ أصحاب الحقوق...؛ ومنه فلا يُمكنُ أن تتحوّل مسألة عدم قابليّة نقل القاضي مِن سياجٍ يحميه إلى أمانٍ يُطغيه".

25/ دسترةُ فصلٍ خاصٍّ بالسّلطة العليا للشّفافيةِ والوقايةِ مِن الفسادِ ومكافحته:

جاء تحت الباب الرّابع (مؤسّسات الرّقابة): "الفصل الرّابع: السّلطة العليا للشّفافيةِ والوقايةِ مِن الفساد ومُكافحتِه.

المادّة 204: السّلطة العليا للشّفافيةِ والوقايةِ مِن الفساد ومكافحته مؤسّسة مستقلّة.

المادّة 205: تتولّى السّلطة العليا للشّفافيةِ والوقايةِ مِن الفساد ومكافحته على الخصوص المهام اللآتية:

- وضع استراتيجيّة وطنيّة للشّفافية والوقاية مِن الفساد ومكافحته، والسّهر على تنفيذها ومتابعتها.

- جمع ومعالجة وتبليغ المعلومات المرتبطةِ بمجال اختصاصها، ووضعها في متناول الأجهزة المختصّة.

- إخطار مجلس المحاسبة والسّلطة القضائيّة المختصّة كلّما عاينت وجود مخالفات، وإصدار أوامر عند الاقتضاء للمؤسّسات والأجهزة المعنية.

- المساهمة في تدعيم قدرات المجتمع المدني والفاعلين الآخرين في مجال مكافحة الفساد.

- متابعة وتنفيذ ونشر ثقافة الشّفافية والوقاية ومكافحة الفساد.

- إبداء الرّأي حول النّصوص القانونيّة ذات الصّلة بمجال اختصاصها.

- المشاركة في تكوين أعوان الأجهزة المكلّفة بالشّفافية والوقاية ومكافحة الفساد.

- المساهمة في أخلقة الحياة العامّة وتعزيز مبادئ الشّفافية والحكم الرّاشد والوقاية ومكافحة الفساد.

يُحدّد القانون تنظيم وتشكيل السّلطة العليا للشّفافية والوقاية مِن الفساد ومكافحته، وكذا صلاحيّاتها الأخرى".

وما هذا إلاّ تأكيدٌ مفصِّلٌ لما ورد في ديباجة المشروع ضِمن الفقرة السّادسة مِن الصّفحة 5: "تُعبّر الجزائر عن تمسّكها بالعمل للوقاية مِن الفساد ومكافحته وفقا للاتّفاقيات الدّولية الّتي صادقت عليها..."، ولما ورد في البند الخامس مِن المادّة التّاسعة الّتي تنصّ على أنّ الشّعب يختار مؤسّسات لنفسه: "ضمان الشّفافية في تسيير الشّؤون العموميّة"؛ وهذه خطوةٌ جبّارة في مجال مكافحةِ الفساد والوقاية منه، مِن خلال تلك المهام الّتي تتولاّها السّلطة العليا للشّفافيةِ والوقايةِ مِن الفساد ومكافحته -كما في المادّة 205-..، ومِن الأشياء اللاّفتة ضمن المهام الّتي كُلّفت بها هذه السّلطة: المساهمة في كلٍّ مِن تدعيم قدرات المجتمع المدني والفاعلين الآخرين في مجال مكافحة الفساد، وأخلقة الحياة العامّة وتعزيز مبادئ الشّفافية والحكم الرّاشد والوقاية ومكافحة الفساد؛ وتأخذ بهذا قضيّة مكافحة الفساد والوقاية منه، بعدًا مجتمعيّا يشمل الحياة العامّة ويُشرَكُ فيها الجميع.

26/ الإقرار لنصوصٍ مهمّةٍ كانت موجودة سابقا:

- الجزائر أرض الإسلام، وجزءٌ لا يتجزّأ مِن المغرب العربي الكبير، وأرضٌ عربية... - كما في الصّفحة 5 ضمن الفقرة العاشرة مِن الدّيباجة-.

- الجزائر وحدةٌ لا تتجزّأ -كما في المادّة 1-.

- الإسلام دين الدّولة -كما في المادّة 2-.

- اللّغة العربية هي اللّغة الوطنيّة والرّسمية، وتظلّ العربيّة اللّغة الرّسمية للدّولة -كما في المادّة 3-.

- التّأكيد على عدم جواز التّنازل أو التخلّي عن أيّ جزءٍ مِن التّراب الوطني -كما في المادّة 15-.

- الملكيّة العامّة هي ملك للمجموعة الوطنيّة؛ وتشمل باطن الأرض، والمناجم، والمقالع، والموارد الطّبيعية للطّاقة، والثّروات المعدنية الطّبيعية والحيّة... -كما في المادّة 20-.

- حماية الدّولة للأراضي الفلاحيّة والموارد الطّبيعية والمياه، وضمانها لبيئة سليمة... -كما في المادّة 21-.

- ضمان الدّولة لعدم انتهاك حرمة الإنسان، وحظر كلّ عنفٍ بدني أو معنوي أو أيّ مساسٍ بالكرامة -كما في المادّة 39-.

- اعتبارُ كلّ شخصٍ بريئًا حتّى تثبت إدانته قضائيًا -كما في المادّة 41-.

- حقّ كلّ شخص في حماية حياته الخاصّة، وحقّه في سريّة مراسلاته واتّصالاته الخاصّة في أيّ شكلٍ كانت... -كما في المادّة 47-.

- ضمان الدّولة لعدم انتهاك حرمة المسكن... -كما في المادّة 48-.

- ضمان حريّة التّعبير والاجتماع والتّظاهر السّلمي... -كما في المادّة 52-.

- الحقّ في نشر الأخبار والأفكار والصّور والآراء في إطار القانون واحترام ثوابت الأمّة وقيمها الدّينية الأخلاقيّة والثّقافية. -كما في المادّة 54-.

- تمتُّع كلّ مواطن بالحقّ في الوصول إلى المعلومات والوثائق والإحصائيات والحصول عليها وتداولها -كما في المادّة 55-.

- منع التّذرّع بحقّ إنشاء الأحزاب السياسية لضرب الحريّات الأساسيّة والقيم، والمكوّنات الأساسيّة للهويّة الوطنيّة والوحدة الوطنيّة، وأمن التّراب الوطنيّ وسلامته، واستقلال البلاد وسيادة الشّعب، وكذا الطّابع الدّيمقراطيّ والجمهوريّ للدّولة - كما في المادة 57-.

- تحديد نزع الملكيّة بإطار القانون وبتعويضٍ عادلٍ ومنصف -كمافي المادّة 60-.

- حماية القانون للأملاك الوقفية -كما في المادّة 60-

- تمكين المواطن منِ الحصول على ماء الشّرب، مع العمل على المحافظة عليه للأجيال القادمة؛ والرّعاية الصحّية لاسيما للأشخاص المعوزّين، والوقاية من الأمراض المعدية والوبائيّة ومكافحتها؛ والحصول على سكن، لاسيما للفئات المحرومة -كما في المادّة 63-.

- تمكين المواطن منِ الحصول على ماء الشّرب، مع العمل على المحافظة عليه للأجيال القادمة -كما في المادّة 63-.

- ضمان الرّعاية الصحّية لاسيما للأشخاص المعوزّين، والوقاية من الأمراض المعدية والوبائيّة ومكافحتها -كما في المادّة 63-.

- تمكين المواطن منِ الحصول على سكن، لاسيما للفئات المحرومة -كما في المادّة 63-.

- مجّانية التّعليم العموميّ وفق الشّروط التي يحدّدها القانون -كما في المادّة 65-.

- الاعتراف بالحقّ في الإضراب مع ممارسته في إطار القانون -كما في المادة 70-.

- سعي الدّولة إلى ضمان المساعدة والحماية للمسنّين -كما في المادّة 71-.

- إدماج الفئات المحرومة ذات الاحتياجات الخاصّة في الحياة الاجتماعيّة -كما في المادّة 72-.

- حماية الشّباب من الآفات الاجتماعيّة -كما في المادّة 73-.

- تقييد الأوامر التّشريعيّة لرئيس الجمهوريّة بوقوعها في مسائل عاجلة بعد رأي مجلس الدّولة -كما في المادّة 142-.

- حماية الدّولة للقاضي وجعله في منأى عن الاحتياج -كما في المادّة 172-.

- إلزام القاضي بالامتناع عن كلّ ما يخلّ بواجبات الاستقلاليّة والنّزاهة وواجب التحفّظ -كما في المادّة 173-.

- حماية القانون للمتقاضي من أيّ تعسّفٍ يصدر من القاضي -كما في المادّة 174-.

أخوكم محمّد بن حسين حدّاد الجزائري

ليلة الثّلاثاء 10 ربيع الأوّل 0000هـ،

الموافق 2020.10.26م