تعليقٌ عَلَى مَشْهَدِ
بَرْنَامَجٍ قِيلَ أَنَّ فِيهِ إِسَاءَةٌ لِخَدِيجَة أُمِّ المُؤْمِنِينَ
قد أثارت لقطةٌ مصوَّرةٌ عبر إحدى البرامج المَبثوثة منذ أيّامٍ قليلة في
إحدى القنوات الجزائريّة، موجةَ استياءٍ كبيرةٍ مِن الجزائرييّن على منصّاتِ
التّواصل الاجتماعي -لا سيّما الفيسبوك-، متبنيّةً إعلانًا عامًّا لا يتردّدُ
مؤمنٌ متّبعٌ لسيّد الأخيار -عليه الصّلاة والسّلام- ومحبٌّ لآل بيته وأزواجه
الأطهار -رضيّ الله عنهم- في تبنّي رسالتِه ونصرةِ قضيّتِهِ؛ إعلانٌ عنوانه:
(الدّفاع عن كرامة أمّ المؤمنين خديجة -رضيّ الله عنها-)..؛ لكنْ لمّا رجعتُ إلى
المصدرِ المثيرِ للاستياء -ولا أحبّ الانْسياق خلف الانْطباع السّائد قبل
التبيُّنِ والنّظرِ عادةً-، رأيتُ مِن بابِ التجرّدِ للعدلِ والإنصاف والتنزُّه
مِن الظّلمِ والإجحاف، أنّ الأمر قد أخذَ بعدًا مستجمعًا لمواقف قد تجاوزَ بعض
أصحابِها تجاوزًا لا يحتملُه المقطعُ المُصوَّر وسياقُه..؛ فكلّ ما تضمّنته
اللّقطةُ الواردة عبر برنامج (أحوال الناس) في حلقتِه السّادسة الّتي وردت تحت
عنوان "حكم القدَر" متناولةً موضوع المطلّقة، هو أنّ ولدًا ناقش والدتَه
-في مشهد تمثيلي- حول عريسٍ احتُمل تقدّمه لخِطبة شقيقتِه وضرورة إبلاغِ والدة
العريس بأنّ البنتَ مطلّقةٌ ذات طفل، فما كان مِن الوالدة إلاّ أنْ ثارت في وجه
ابنها مستنكرةً رأيَه، ولإقناعه بأنْ لا شيء يعيب ابنتَها ردّت عليه قائلةً:
"الرّسول صلى الله عليه وسلم -نفسه- تزوّج مِن امرأةٍ كبيرة في السنّ
و(هجّالة)!"..؛ ذلك موضوع المشهد وهذا سياقُه، بلهجةٍ جزائريّةٍ عاميّة لا
تَحكمُها أصول ولا تُقيّدها قواعد! ثمّ إنّ كلمة (هجّالة) ليس لها إلاّ معنى
المرأةِ الثيّب -مطلّقةٌ كانت أو أرملة-، ويختلف المقصد مِن استعمالها بين الخبر
والإنشاء؛ فأنْ تتحدّث عن امرأة فتُخبر أنّها "هجّالة"، يختلف عن
مخاطبتِك إيّاها أو ولدها قائلا: "أيّتها الهجّالة" و"يا ابن
الهجّالة"، فمرادُ التّعيير في المعنى الثّاني ظاهر؛ أظفْ إلى هذا اختلاف
الأعراف في التّعامل مع الكلمة واستعمالاتها، فهي مقبولةٌ عند أهالي بعض المناطق
ومَعيبةٌ عند غيرِهم؛ فكيف وسياق المَشهد المُستَنكَر لم تَظهَر فيه إرادةُ
الإساءةِ لأمّ المؤمنين -رضي الله عنها- وانتِقاصِها؛ بل تضمّن حثًّا على ضرورة
تغيير النّظرة المُزْدَرية للمرأةِ المطلّقةِ والكبيرةِ في السنّ عامةً وفي
الزّواج خاصّة، ومنه ترغيبُ الرّجل في الاقدام إلى الزّواج بالثيّبِ اقتداءً
بالنبي -عليه الصّلاة والسلام- في زواجه كذلك..؛ ومع عدم فساد طويّة أبطالِ المشهد
وكاتبِه ومُخرجيه -فيما ظهر-، يُقال إشارةً عليهم: لو استبدَلوا لفظة
"الهجّالة" بأخرى لكان أسلَم مِن الشّبهة وأبعَد عن التّهمة، نظرًا
لاختلاف الأعرافِ في استعمال تلك الكلمة، وتنوّع الأمزِجة المُؤثّرة في مواقفِ
النّاس وآرائهم.
أخوكم محمّد بن حسين
حدّاد الجزائري
الأحد
10 رمضان 1441هـ،
الموافق
2020.05.03م