11.03.2012

سُورِيَّة... بَيْنَ مَطَارِقِ القَهْرِ وَبَشَائِرِ النَّصْرِ

سُورِيَّة... بَيْنَ مَطَارِقِ القَهْرِ وَبَشَائِرِ النَّصْرِ
 
لقد سَطَّرَ الحديثَ عنْ سورِيَّة دماؤُها، وأَمْلى الكلامَ حَولَها صيْحاتُها؛ أينما أَصْغيْتَ إلى لغاتِ مُدنِها وضَواحيها مِن "دَرعا" و"حَماة"، و"الحسكة" و"دير الزّور"، و""إِدْلب" و"بانْياس"، و"حَلَب" و"اللاّذقية"، و"الرقة" و"دِمشق" وريفِها، و"طرطوس" و"حِمص" وبابَيْ عَمرِها؛ ظَهر لكَ ذاكَ اللّون، وتردّدَ عليك ذاتُ الصّوت؛ أمّا اللّونُ، فلونُ دمٍ قد سفكَه طغاةٌ مجرمون، وأمّا الصَّوتُ، فصوتُ بكاءٍ وعويلٍ امْتزجَ بصيحاتِ التّكبيرِ وشعاراتِ التّحرير.
لقد بلغَ صنيعُ النّظامِ السّوريِّ الإجراميّ بجَيشِه وشبّيحَتِه مَبلغًا لا يُطاق، وهو يُقتِّل الأبرياءَ تقتيلاً ساديًا، فضلاً عن هَتْكِ أعراضِهِم بالاغْتصاب، وتسليطِ العَذابِ عليهم تِلوَ العَذاب، والمحظوظُ مِن هؤلاء المُستضعفين مَن نَجَى بنفسِه وأهلِه، فرارًا مِنَ القِوى النِّظامية الوَحشية الضّارية إلى بعض البلادِ المُتاخِمةِ لاجِئًا، مُستأمِنًا جسدًا قد تركَ قلبَه في الشّام للشّام.
ولم تَزِد الأيّامُ والشّهورُ على أهلنا في الشّامِ إلاّ تضييقًا وتمزيقًا، تحت ظِلِّ سكوتٍ عالميٍّ رهيبٍ قد شارك في الجريمة بصمتِه، على اختِلاف دوافِعِ القُعودِ وموانِع التحرُّك؛ حالٌ طالَ زمانُها وزالَ مبرِّرُها، ولم تَتطوَّرْ إلاّ إلى تسويفٍ مُمِلٍّ تحت عُنوانِ مُحاولةِ الإصلاحِ مِن الدّاخل؛ وليس في الدّاخِلِ إلاّ حربُ إبادَةٍ طائفيّةٍ تُخاضُ ضدّ شعبٍ أَعزَل يَنشُدُ الحرّيةَ ويُنشِدُها!
تسويفٌ أضاف لـ"بشّار" وجُندِه وأزلامِه جرعاتٍ وأنفاسًا، للزِّيادَةِ مِنْ طُغْيانِهِم وتَسلُّطِهِم على الشَّعبِ المُستضعفِ، ولا أدلَّ على ازْديادِ النِّظامِ السّوري في إرهابِه كلّمَا مَرّت الأوْقات، مِن تَضاعُفِ ضحايَا إِجْرامِهِ كَمًّا وكَيْفًا.
أمّا الكَمُّ؛ فحديثُ وسائلِ الإِعلامِ المُتنوِّعَةِ عن سُقوطِ آلافِ الضّحايا مُنذ انْطِلاق الثّورةِ السّورية السِّلميَة، بمعدّلِ العَشراتِ يوميًا[1].
وأمّا الكيفُ؛ فجُرأةُ طغاةِ سوريّة على رميِ الشّعب الأعزل بالصّواريخ والرّاجمات، بعدما كان التّقتيلُ يُكتفى فيه بالرّصاص الحيّ.
إنَّ قتلَ كلِّ فردٍ مسلمٍ جُرمٌ عظيمٌ أيًّا كانت طريقتُه، لكنْ قد تَكشفُ الطّريقةُ ما تُضمرُه قلوبُ القَتَلةِ مِنْ أحقادٍ وظُلمات.
إنّه تقتيلٌ عبّرَت عنه العُيون بعَبَراتِها، وقد شاهدَت مِن المجازِرِ والمذابِحِ ما أذْهبَ فصيحَ الكلام، وجفَّ منه مِدادُ الأقْلام؛ وما مجازِرُ ومذابِحُ "كفر عويد" بجبل الزّاوية، و"كرم الزّيتون" بحِمص، و"الحولة" بريف حِمص، و"التريمسة" بحَماة، و"داريا" بريف دمشق - حديثا -[2]، وغيرها مِن الخُطوب المُروِّعة عنّا ببعيد، حيث ذُبحَتِ البَراءةُ بالسَّكاكين ذَبْحًا، وأُحْرِقَتِ الأجسادُ بالنّارِ حرْقًا، فلا الأطفالُ شَفعَتْ لهم براءتُهم، ولا النّساءُ نفعهُنَّ عَويلُهنّ، ولا الشُّيوخُ أَسْعفَهُم اسْتِعطافُهُم.
وهل تُسمِعُ أصواتُ البراءةِ والعويلِ والاسْتعطافِ قومًا قد انْعَدَمَتِ الرّحمةُ في قلوبهِم، وماتَ الإحساسُ في ضمائِرِهم، حتّى استَمرؤوا صنيعَهم بالمُستضْعفين؟! بل عَدّوهُ بطولةً يَسْمون بها، ودينًا يُثابونَ عليه!
وأيم الله إنّهم لأقوامٌ تجري في عُروقِهم دماءٌ طائفيّة، وتدقُّ في قلوبِهِم نَبضاتٌ عُنصُرية؛ فهم نُصيريّون يُبيحُ لهم دينُهم ما اسْتَباحوا، فلا دمُ المُسلمِ عندَهم مَعصوم، ولا عِرضُه مَصُون، ولا أمْنُه مَحفوظ؛ قد حالفهم جيرانُهم الرّوافض في الجرائِم كما حالفوهُم في المَبادِئ، فهم أبناءُ رحِمٍ شيعيَّةٍ واحِدة، بينهم في العَقائدِ تشابُهٌ كبيرٌ، والكُفرُ ملّةٌ واحِدة مهما اختلَف لونُه.
وما حِزبُ البعثِ إلاّ واجهةٌ لهؤلاء النُصيريّةِ الباطنيّين، الّذين اجتمعوا تحت مُسمّاها ليحكموا البلادَ السّورية، فحَكَموها منذ العام الموافق 1963م؛ وعليه فالنّظام السّوريّ الّذي تترأسُّه عِصابَة "الأسَد" منذ عشراتِ السّنين، هو نظامٌ بعثيٌّ ظاهرًا ونُصيريٌّ باطِنًا، قد نصّ أهلُ العِلمِ المعاصرين على كُفرِه، سواءً مِن حيث إديولوجيّته البعثيّة، أو مِن حيث عقيدتِه الباطنيّة[3].
وإنّ ما يزيدُ في إدماءِ قلبِ كلِّ مُؤمنٍ غيورٍ يتلقّى سمعُه وناظِرُه يوميًا مثل تلك الأخبار، حِظوةُ هذا النّظام الطّائفي العنصري بتأييدٍ دوليٍّ خبيث، قد انتصر لأهلِ الكفر والزّندقة في بطشهم، تشترِك فيه روسيا، الصّين، إيران، والعِراق[4]، ولهذا الرّباعي الخنزيريّ ذيلٌ يُدعى "حزب الله"[5]؛  بينما لم تتلقَّ الأمّةُ العَزلاء في مقابل كلِّ هذا التسلّطِ والطّغيانِ ذاك الدّعم المرجُو؛ بل لا نَسمع إلاّ التحفُّظات إزاء القضيّة، أو الاسْتنكارات للتدخّل الأجنبيّ، أو الادّعاءَ - جُبنًا وغباءً -  أنّ الشّأنَ السّوري شأنٌ داخِليٌّ لا يجوز الخَوْض فيه!
وقد نَسي أصحابُ هذه المواقف أو تَناسوا، أنّهم قد زادوا بها وقتًا إضافيا ليدِ الإجرام أن تمتدّ للرّجال بالذّبح، والصّبيان بالتّقتيل، والحرائر بالاغْتصاب؛ والله حسبُ المظلومينَ مِنْ أهلِ الظُّلمِ والخذْلان.
إنَّ نصرةَ المظلومِ أمرٌ حتمٌ لازمٌ على المسلمين، وهي على من ولاّه اللهُ أمرَهم آكدُ وأوجب، مِن أيِّ مصدرٍ وقع الظلمُ وعلى أيّ شيءٍ نزل، حتّى ولو كان المظلومُ عبدًا مملوكًا، أو كافرًا مُشركًا، أو بهيمةً مَحْبوسةً؛ فكيف إذا كان المظلومُ مسلمًا؛ بل شعبًا أعزل يتلقّى كلّ ألوانِ التَّنكيلِ وأنواعِ التَّقتيلِ، وهو لا يملكُ لنفسهِ حولاً ولا قوّةً و لادفاعًا.
تَذُوبُ حُشَاشــاتُ العَوَاصِمِ حَسْرَةً
إِذَا دَمِيَتْ فِي كَـفِّ بَغْدَادَ أُصْبُــعُ
وَلَوْ صُدِعَتْ فِي سَفْحِ لُبْنَـانَ صَخْرَةٌ
لَدَكَّ ذُرَا الأَهْــرَامِ هَذَا التَصَـدُّعُ
وَلَوْ بَرَدَى أَنَّتْ لخَطْـبٍ مِيَاهُـــهُ         
لَسَالَتْ بِوَادِي النِّيلِ لِلنِّيلِ أَدْمُـــعُ
وَلَوْ مَسَّ رَضْوَى عَاصِفُ الرِّيـحِ مَرَّةً         
لَبَاتَتْ لَـهُ أَكْبَادُنَـــا تَتَقَطَّــعُ[6]
لا ينبغي أنْ يقتَصِر الوقوفُ مع أهل الشّام في مِحنتِهم، عند إيواءِ اللاّجئين في البلاد الّتي هاجروا إليها مِن البطشِ والعُدوان، وإنْ كان احْتِواءُ إخوانِنا بتوفير كلِّ ما يجب توفيرُه، مِن شروطِ حياةٍ ووسائِل رِعاية، كفيلٌ بالتّخفيفِ مِن معاناتِهِم والتَّسلِيةِ في مُصابِهم؛ لكن الأولى مِن هذا كلِّه، أنْ يُنظَرَ إلى مصدرِ الأزمة فتُستأصلُ مِن جُذورِها ويُسعى في بديلِها، فإنّ هِجرةَ السّوريين وفِرارَهم مِن الموت، ما هو إلاّ فرعٌ مِن فروع الأزمة، ووَجعٌ مِن أوجاعِها.
ولا يُعذرُ حاكِمٌ مُسلِم ولا فردٌ مُؤمِنٌ، في تخلّفِه عمّا يجب عليه مِن نُصرةِ شعبِ سوريّة.
فأمّا الحُكّام؛ فبأيديهِم مِن وسائل الإغاثة ما ليس بيدِ غيرِهم، ممّا يُصيِّرُ المسؤولية عليهم أعظم، ويجعل الدَّورَ مِنهم ألزَم، وإنّ أكبر ما يجب على هؤلاء ابتِداءً، أمران:
الأمر الأوّل: تحريكُ الآلة الدّبلوماسية ضدّ نظام بشّار، الّذي سقطت شرعيَته سُقوطًا لم يَتركْ مجالاً للتّسوية معه والحِوار، فهو ليس طرفًا في الأزمة؛ بل صانِعُها ومنزِلُ الدّمار على أرضِها.
الأمر الثّاني: دعمُ الجيش السّوري الحُرّ، دعمًا سياسيًا وعسكريًّا، فقد أضحى هذا الجيشُ الفَتِيُّ القوّة العسكرية الشّرعية الوحيدة في سورية، مِن خلال وقوفِ كتائبِه موقف الدّفاع عن حياةِ السّوريين وأعراضِهم، تُجاهد وتُنافح على الجبهات جهادَ ومنافحةَ الأبطال.
وكلُّ موقفٍ رسميٍّ يتجاهل دعمَ الجيش السّوري الحُرّ، هو موقفٌ قد خالطَه نفاقٌ أو خالفَه صِدق.
وأمّا الأفرادُ؛ فيُمكنهم فعل الكثير لإخوانِهم، وبين أيديهم مِن وسائل الدّعم ما إنْ عدموا بعضَها لم يعدموا أخرى؛ وإنّ أمّهات هذه الوسائل ترتكز على ثلاثة أدوار:
الدّور المعنوي: مِن خلالِ دعاءِ الله – عزّ وجلّ – وسُؤالِه النّصر لإخوانِنا في الأرض المباركة على عدوّهِ وعدوّهم، وحقن دمائِهم، وحِفظ أعراضهم؛ فيُتحرّى في ذلك أحوالُ الإجابة وأوقاتُها ومواطِنُها؛ وكذلك إبراز المُؤازرةِ والتّأييد لأصحاب الحقّ في القضية، فإنَّ فيه تثبيتًا للمواقف وشدًّا للعزائِم.
وعلى مشايخ الدّعوة وأئمّة المساجد مسؤولية عظمى في القيام بهذا الدّور، فإنّهم قُدوةُ الشّعوب ومثالُها في الخير، وأدنى حركةٍ منهم في صالح المُستضعفين، تتبعُها حركاتٌ مِن عامّة النّاس في هذا السّبيل، ورُبّ كلمةٍ أَحيَتْ أُمّة، ورُبّ سكوتٍ أمات هِمّة؛ بل إنَّ الواحِد منّا لَيحزَن وهو يُصلّي في الجماعةِ الصّلوات، فلا يسمعُ قنوتَ نازِلَةٍ فيها لصالِحِ إخوانِنا وهم في أحوج ما يكونون إليه، وبلادُهُم تشْهدُ ذبْحَ أبنائِهِم واسْتِحياءَ نِسائِهِم.
وإنَّ الدّورَ المعنَويّ لَهو مِن أسهلِ الأدوارِ قِيامًا وأعظمِها أثرًا، فضلاً عن تَضمُّنِ بقية الأدوارِ له وتعزيزِه هو لها، وإذا عَجِزنا عنه فنحنُ عن غيرِه أعجَز.
فلا يعجِزنَّ أحدُنا عن بذلِ معروفٍ ليسَ فيهِ مِن الكُلفةِ إلاّ الشّعور بالمَظلومين ونَبضان القلبِ لمُعاناتِم.
الدّور السّياسي: وهو دورٌ يكتسي أهمّيةً بالغةً وطابعًا خاصًّا، فعلى أساسِه تتحرّكُ الدّول وتخرُجُ القرارات؛ ولا شكّ أنّ الأولى بتزعُّمه هي الحكومات الإسلامية والعربية، ولاسيما جيران سورية؛ لكن في ظلّ تقاعُس بعض الدّول وتباطُئِها في اتّخاذ موقِفٍ مُشرِّفٍ في صالِح أهلِ الشّام، يتأكّدُ على الجمعيات الحقوقية والحركات السّياسية أنْ تتحرّكَ نحو ما يتمنّاهُ الشّعب السّوري ويتبنّاه، ولأعيانِ كلِّ بلدٍ ورُموزِه ثقلٌ لا يُستهانُ به في هذا السّبيل.
ولا ينبغي أن تُعفي تلك الحركات والمبادرات عامّةَ النّاس عن التحرُّك؛ بل المُفتَرَضُ أنّها تُحسِّسهُم بالقضيّة السّورية وتجمعهم للوقوف في صالِح مطالب أهلِها، ولعلّ تنظيم الوقفات أمام مَراكِز القرار الدّولية والوطنِية، وكذا عقد مُلتقيات النُّصرةِ والتّأييد، مِن أنْفعِ الوسائلِ وأنجعِها في هذا المِضْمار.
الدّور المادّي: يكفي في الدِلالةِ على أهمّيتِه توقُّف حياة المستضعفين - بعد الله عزّ وجلّ – عليه، فثمّةَ جياعٌ وعُراةٌ قد قُطِعَت عنهم منافِذ الحياة، وهم بين قصفٍ قاتِل وحِصارٍ ظالم، وفيهم الأطفال والنّساء والشّيوخ، وللاّجئين الّذين تمكّنوا مِن الفِرار حاجات مِن هذا الدّور أيضا في البلادِ الّتي فَرُّوا إليها.
ولا يجوز أنْ تُنْسي إغاثتُنا لهؤلاءِ المساكين دَعمَ أصحابَ الجبهةِ مِن أُسودِ الجيشِ السّوري الحرّ؛ بل - والله - إنَّ دَعمَهُم لأوجب وألْزَم، إذْ هم صفُّ الدّفاعِ عن المُسْتضعفين، وجُنْدُ الحقِّ في وجهِ الظّالمين، انْتَصرَ الجميعُ إذا انتَصروا، وهلكَ الجميعُ إذا هَلَكوا، وإنّ نصرَ الله لهم لَقريب، وما توسّعِ انتِشارهم المَيداني، وتقهقُر عدوّهم مِن ضرباتِهم العسكرية، وتخبُّطِه مِن خلال قصفِه وقتلِه العشوائي، لخيرُ بُرهانٍ على تجمّع سحائب الغيثِ وبشائِر النّصر.
فالدّعمُ المادّي الّذي يفتَقِر إليه أهلُنا في الشّام دَعمان: دَعمٌ بالطّعام والمال، ودعمٌ بالسّلاحِ والعَتادِ العَسْكري، وكِلاهما لا ينفكّ عن الآخر؛ أمّا الأوّلُ فمُمكنٌ مِن الجميع، وأمّا الثّاني فالحُكومات مسؤولةٌ عنه أمام الله – عزّ وجلّ – وهي تحظى بمخزون هائِلٍ مِن الوسائل والأدوات العسكرية، على قَدْرٍ يُؤهِلها لمدّ يد العون للجيش السّوري الحرّ، ويُعطيها الأولوية مِن بين الحكومات الغربية، بما يقطع الطّريق على كلّ تدخّلٍ أجنبي لا يدري أحدٌ ما يكون وراءه.
فعلينا أنْ نبادر ونُسارِع في نُصرة إخوانِنا المُستضعفين على أرضِ الشّام، كُلٌّ على حَسَبِ قُدرتِه وموقِعِه، حتّى نَنْأى بأنفسِنا مِنَ التخلُّفِ عن نصرةِ المظلوم، فيشملَنا قولُه - عليه الصّلاة والسّلام -: ((ما مِن امْرئٍ يَخذُلُ امرَأً مُسْلمًا في موضعٍ تُنتهَكُ فيه حرمَتُهُ، ويُنتقَصُ فيه مِن عِرْضِه، إلاّ خذلَهُ اللهُ في مَوْطِنٍ يُحبُّ فيه نُصرَتَه))[7].
وإنَّ أهلَ سورية لَمُمَكَّنون، وإنَّ جُنْدَهُم لمنصورون، وإنْ ظَهَرَ طغيانُ الطُّغاةِ وزادَ ظُلمُ الظّالمين، حتّى أبادوا الخَلْقَ وبالإفسادِ عاثوا، ومِن الإسلام مَرقوا وكلّ أخضرٍ ويابِس أحرقوا؛ وإنّما هي جولةُ مُجرِمٍ يسير فيها إلى حتْفِه، لا يمنَعه بعدها حليفٌ ولا شريكٌ، فلا حِلْف يَدومُ ولا شِراكة تَقومُ إلاّ ما كان في الحقِّ وللحقِّ، أمّا اجتِماعُ أهلِ الباطِل فهو اجْتِماعٌ هَشٌّ سُرعانَ ما يَتفرَّقُ أصحابُه عند ظُهور الحقّ وأهلِه، قال - تعالى -: [[تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ]][8].
وبعدَ يقينِنا بالنّصرِ يقينًا تُصدّقُّه أخبارُ مَيدان البطولاتِ مِن أرض الشّام، يأتي التّاريخُ شاهِدًا على أنّه لمْ تُعلم في العالم عبر الأزمِنة ثَورةٌ انْطلَقت وقامَت ثمّ لم تنتصِر وتُحقِّق أهدافَها، مهما كانت مطالبُها وشعاراتُها؛ فكيف إذا كانت الثّورة حامِلةً لِواءَ الحقِّ متبنيّةً مطلبَ العدل؟!
وهاهي رُؤى أهلِ الخير والصّلاح قد تواطأت[9] فتواتَرَت، تحمِل البشرى لكلّ قلبٍ مَحزون على ما أصاب أهلَنا في سورية، بِقربِ انْكشافِ سوادِ الظُّلم، وبُزوغِ فجرِ التّمكين - بإذن الله تعالى -.
قال – عليه الصلاة والسلام -: ((لم يَبْقَ مِنَ النّبوَّةِ إلاَّ المُبشِّرات. قالوا: وما المبشِّرات؟ قال: الرُّؤيا الصّالحة))[10]؛ وقال: ((إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ))[11].
ولعلّ سردي لبعضها في خاتمة مقالي يكون خير خِتام، لما تحمله أخبارُها مِن فَألٍ لأهلِ الشّام.
فقد نُقِل عنْ بعض الصّالحين أنّه رأى مجموعةً مِن النّاس يجتمعون على أسد فيأكلونه، وأُوّلت بزوالِ حُكمِ الأسدِ مع ذِلّتِه وذِلّة مَنْ معه، وتمكين الله للمؤمنين منه.
ورأى بعضُهم أنّ عَلَم سورية موضوعٌ في تابوت؛ وأُوِّلَت بأنّها بشرى بموتِ وسقوطِ النِّظام السوري الحالي وموتِ زمرتِه الحاكمة.
ورأى بعضهُم أنَّ سورية مُفتَّحةُ أبوابِ بيوت أهلِها، وهم في فَرَحٍ وسُرور، وهم يدعون النّاسَ إلى الإفطارِ عندهم في رمضان، وأُوِّلَت بقربِ العُرسِ بمناسبةِ سُقوطِ الطاغيّة.
ورأى بعضُهم أنَّ أهلَ الشامِ في حالِ فرحةٍ يَدْعونَ النَّاسَ مِنْ كلِّ حدْبٍ وصَوْبٍ إلى بلادِهم، وأُوِّلَت بِحُلولِ الأمنِ والأمانِ فيها بعد انْفِراجِ الأمور، لأنَّ الشّامَ حاليًا لا يَأتيها أحدٌ بسببِ الأوْضاعِ المُتَدهوِرة.
اللّهم إنّا نَسألُكَ بأنّا نَشهَدُ أنّك أنت الله لا إله إلاّ أنت، الأحدُ الصّمد، الّذي لمْ يَلدْ ولم يولَد، ولم يكنْ له كفوًا أحد، أنْ تَكشفَ البلاءَ عنْ أهلِ سورية وتجعلَ لهم أمْنًا ومَخرَجا، وأنْ تحقِنَ الدِّماءَ وتحفظَ الأعراضَ وتُنزل عليهم مع الشّدائدِ فَرَجا.
ونسألك يا جبّار يا قهّار، أنْ تُقاتِلَ عنْ المُستضْعَفين وقد طَغَى عليهم المتجبِّرونَ والفُجّار، وأنْ تُمكِّنَ مِن المجرمِين أهلَ الحقِّ وتُنْزِلَ عليهم بَأسَكَ وعذابَك والنَّار.
ونسألك يا رحيم يا رحمن، يا لطيف يا منّان، أنْ تلْطُفَ بعبادِك المسلمين في كلِّ مكان، وأنْ تنْصرَهم على عدوِّكَ وعدوِّهِم وتُعزَّ الإسلامَ وتَرفعَ راية الإيمَان، اللّهم ارْفعْ عنْهم المِحَنَ والفِتَنَ وأنْعِمْ عليهم بالأمْنِ والأَمان.
أخوكم محمد بن حسين حداد الجزائري
يوم الخميس 16 ذو الحجّة 1433هـ،
الموافق 01/11/2012م


[1] أعلن المرصد السّوري لحقوق الإنسان مؤخّرًا - كما نقلت عنه بعض وسائل الإعلام - أنّ عدد الضّحايا المدنيين الموثّقين فقط، قد تجاوز عتبة الخمسة والعشرين ألف ضحيّة – تقبّلهم الله في الشّهداء - منذ انطلاق الثّورة السّورية في التّاريخ الموافق 15/03/2011م، هذا دون احتساب القتلى في صفوف الجيش السّوري الحرّ والمختطفين.
[2] وقد بلغ عدد ضحايا مجزرة "داريا" الّتي وقعت بالتّاريخ الموافق ليوم السّبت 25/08/2012م: ثلاثة مائة ضحية، من بينهم عددٌ كبير مِن الأطفال والنّساء، منهم من قُتل قصفًا ومنهم من قُتل إعدامًا، بعد توزّعهم بين المنازل والأقبية والمساجد.
[3] ومن أراد التعرّف على هذه الفرقة الشّيعية المارقة، فلْيطّلعْ على كتاب "طائفة النّصيرية تاريخها وعقائدها" لـ د. سليمان الحلبي، وكتاب "النّصيرية وآراؤها الكلامية والردّ عليها" لـ د. زينب محمّد رجاء الله البَلادي الحربي.
[4] موقف العراق من الثورة السّورية قد وُصف بالتّناقض والتخبُّط، وعند إمعان النّظر في القرائن والظّواهر، يتبيّن نفاق النّظام العراقي في موقفه، وإذا علِمنا بتحكّم إيران في سياسة العِراق منذ سقوط نِظام "صدّام"، لم يعُد هذا مُستغرَبًا.
[5] بل أكّد رئيس المجلس العسكري للجيش الحر بحلب: العقيد عبد الجبار العكيدي - كما نقلت عنه "العربية نت" - أنّ مقاتلي حزب الله متواجدون في معظم المحافظات السورية، رداً على نفي نصر الله هذا التواجد.
وأضاف العكيدي، أنّ "مقاتلي حزب الله اللبناني متواجدون في معظم المحافظات السورية، ويقاتلون بشراسة".
وقال "إننا نعرفهم من لباسهم وشكلهم، وبالتحديد من طريقة قتالهم. هم يقاتلون بشراسة، ويقاومون بعنف، وبطريقة عقائدية بعكس عناصر الجيش السوري النظامي"، مشيراً إلى أنهم يتواجدون في حلب ودمشق ومعظم المحافظات.
[6] الأبيات للأديب والشّاعر المصري: علي الجارم.
[7] رواه أبو داود في سننه (دار الرّسالة العلمية) وغيره: كتاب الأدب/ باب من ردّ عن مسلم غيبة / 4884، من حديث جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاريّ -رضي الله عنهما-. حسّنه الألباني في صحيح الجامع (المكتب الإسلامي): 5690.
[8] سور الحشر: الآية 14.
[9] قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والرؤيا قد تكون من الله، وقد تكون من حديث النفس، وقد تكون من الشّيطان، فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على أمر كان حقًّا، كما إذا تواطأت رواياتهم أو رأيهم، فإنّ الواحد قد يغلط أو يكذب، وقد يخطئ في الرّأي، أو يتعمّد الباطل، فإذا اجتمعوا لم يجتمعوا على ضلالة، وإذا تواترت الرّوايات أورثت العلم وكذلك الرؤيا". منهاج السنّة: 3/500.
وقال الحافظ في سياق شرحه حديث بوّب له البخاري "باب التّواطؤِ على الرّؤيا": ويُستفاد من الحديث أنّ توافقَ جماعة على رؤيا واحدة دالٌّ على صدقها وصحّتها، كما تُستفادُ قُوّة الخبر من التّوارد على الأخبار من جماعة". فتح الباري: 16/323.
 
[10] رواه البخاري في صحيحه (دار ابن كثير): كتاب التّعبير/ باب المبشِّرات / 6990، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
[11] رواه مسلم في صحيحه (دار المغني): كتاب الرّؤيا/ 2263، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.