4.13.2011

تحية طيبة إليك أيها الطيب

تحية طيبة إليك أيها الطيب
-رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيِّب أردغان-

لم نعش أيَّام الخلافة العثْمانية ولم نَرَ أبطالها؛ إلاَّ ما كان مِن قراءة على صفحاتٍ أَرَّخت لتلك الحقبة، التي عرفنا مِن خلالها بعضَ مواقف رجالات هذه الخِلافة التي كانت تمتدُّ مِن مشرق العالم الإسلامي إلى مغربِه، وأيُّ قارئ في التَّاريخ استوقفتْه بعض تلك المواقف التي تمنَّى وقد رآها في مخيّلته أن يُبْصِرها عيانًا في يوم من الأيَّام؛ إذ ليس الخبر كالمُعاينة، وليس قصدي في المقام ذكر فضائل تلك الخلافة على العالم الإسلامي، بقدر ما هو حنينٌ إلى بطولة وشهامة تكاد تُفقَد، إلى الحدِّ الذي أصبحت مجدًا يُتغنَّى به.
ولكن ما فعله رئيس الوزراء التُّركي السيِّد رجب طيِّب أردغان - كفيلٌ بإبطال هذا التوهُّم الخيالي، والظنِّ البالي بإمكانية فقْدان الأمَّة لمواقف وبطولات زعمائها، التي كانت السِّمة البارزة في تاريخها الحافل بالأحداث والتحدِّيات.
فتحيَّةً طيِّبة، أزفُّها إليكم، أيُّها الطيِّب، فرغم المجتمع الدَّولي الأوروبي الذي تمثِّل تركيا جزءًا منه، ورغم تصعيد سقف الشُّروط الموضوعة كالعراقيل أمام بلدِكم لانضمامِه إلى المنظَّمة الأوروبيَّة، هذه الأخيرة التي كانت تسعَى دومًا إلى تأجيل الحلم التُّركي، ورغْم العلاقة الوطيدة التي تربط دولتكم بإسرائيل، ورغم المعادلة الصَّعبة التي تُحاول التَّوفيق بين الأسُس العلمانية التي تقوم عليها الدَّولة من جهة، والانتِساب الإسلامي لغالبيَّة الشَّعب التُّركي مِن جهة أخرى، كلّ هذا يقتضي منكم تنازُلات وخطوة إلى الأمام تُقابلها خطوتان إلى الوراء عند أصحاب التَّفكير الانهِزامي الانبطاحي.
لكن ما قمتُم به في منتدى دافوس الاقتِصادي يوم الخميس الماضي (29/ 01/ 2009م) مِن فضح لإسرائيل بعد عدْوانِها البربري على غزَّة الشَّهيدة، وتصدِّيكم لادِّعاءات رئيسِها السفَّاح شمعون بيريز، على مرأى ومسمع مِن العالم بأسره، وبحضور الأمين العام للأُمَم المتَّحدة بان كي مون، والأمين العام للجامعة العربيَّة عمرو موسى، ثمَّ انسِحابكم مِن قاعة المنتدى احتجاجًا على قيام بعض المنظِّمين بِمنعِكم من التَّعليق على مزاعم الرَّئيس الصِّهيوني بشأن غزَّة - هو تكذيب للانْهزاميين، وصفعة على وجْه الانبِطاحيِّين.
إنَّ قيامكم بهذا كلِّه - أيُّها الزَّعيم، وحفيدَ أبطال الخلافة العُثمانية - لهو منكم جهاد حق وإيمان صادق وبطولة كبيرة؛ بل قد رفعتُم به رؤوسَنا، ونفختُم فينا الشُّعور بالعزَّة والكرامة، فضلاً عن انتِصاركم بذلك لمئات الشُّهداء واليتامى والثَّكالى مِن أهل غزَّة، كما خلَّدتُم به ذكراكم في قلوبِنا قبل أوراقِنا، وسُجِّل لكم على صحائف أعمالِكم الخيّرة - بإذن اللّه - قبل صُحف أخباركم النيِّرة.
قد جاوزتم - أيُّها الطيِّب - بهذا الموقف ومواقف أخرى شريفة حدودَ تركيا بالزِّعامة؛ بل أضحيْتُم زعيمًا لكلِّ المسلمين، فوق كلِّ أرض وتحت كلِّ سماء، جزاء ما نطقتُم بما هو معقودٌ في قلوبكم، هكذا نحسبُكم عند اللّه، ومرجوّ مِن المسلمين، فدخلتُم قلوب هؤلاء مِن الباب الواسع، ولعلَّكم تكونون بعد ذلك قدوةً في الشَّجاعة والمروءة لبعض أقرانِكم ممَّن ولي أمر المسلمين، فيقوم بالدَّور المنوط به تجاه قضايا أمَّته المفصلية، كيف وقد تأكَّد بموقفكم هذا أنَّ قول الحقِّ والصَّدع به مع العمل على وفقِه لا يقطع رزقًا، ولا يرفع مُلكًا، ولا يُقرِّب أجلاً؟!
إنَّنا نشدُّ على أيديكم - سيادةَ الرَّئيس - أنْ تثبتوا على ما أنتم عليه، وأنْ تمضوا على هذا النَّهج المشرِّف، سائلين اللَّه - عزَّ وجلَّ - أنْ يجعل لكم مِن لدُنه نصيرًا، وأنْ يُثبِّت خطاكم ويُسدِّد رأيكم، ويشرح صدركم لما فيه خيرٌ لِلإسلام والمسلمين، كما نسألُه - تبارك وتعالى - أن يَجعل ما قمتم به وتقومون به مِن خير وصلاح في ميزان حسناتكم يوم تلْقوْنه، وإنَّنا لننتَظِر منكم ومن معكم من الصَّادقين المزيدَ مِن مِثْل هذه المواقف، فأنتم جديرون بها وحريُّون. 
حفظكم اللَّه مِن فوقكم ومِن تحتِكم، ومِن أمامكم ومِن خلفكم، وعن يمينكم وعن شمالكم.
وسبحانك اللَّهم وبحمدك، أشهد أن لا إلهَ إلاَّ أنت، أستغفِرك وأتوب إليك.

أخوكم محمد بن حسين حداد الجزائري
عام 2009م